الحرية معرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحرية مفهوم ولد مع الإنسان، ولا يوجد مفهوم يولد دون نقيضه، فالحرية لا تعرف إلا بحضور ما يقيدها، على أن الحرية اختلفت كمفهوم مع اختلاف العصور والقيود التي كيف الإنسان معها مفهومه عن الحرية للتخلص منها.

وقد لا نبتعد عن الحقيقة إذا ما اعتبرنا أن عصرنا الحالي هو ذروة لكل تلك الحصيلة من المفاهيم التي أبدعها الإنسان عن الحرية، لتعطي نفسها كرديف للمعرفة عامة.

العلاقة بين المعرفة والحرية تظهر اليوم في جدل حول أسبقية إحداهما على الأخرى سبباً أو نتيجة، وقد يبدو أن الرأي الغالب يشير إلى أن المعرفة لا يمكن أن تتأسس وتترسخ دون حرية، حرية في التعبير والتفكير والإبداع، إلا أن المعرفة في ذاتها كفيلة بإسقاط كل قيد، فما بالنا لو كانت هذه القيود وسلطاتها فرخت ونمت وقويت بسبب الجهل!

ثورة التقنية التي عبَرت بالمعرفة كل حدود، وأسقطت فروقات كبيرة وكثيرة كانت تقيد امتلاك المعرفة، قد تغير المعادلة في هذا الجدل، فالنافذة أصبحت مفتوحة، والأدوات في متناول يد الجميع، الصغير قبل الكبير، والأفراد قبل الحكومات، للولوج إلى هذا الدفق الهائل من المعلوماتية، مما يفرض شكلاً جديداً للعلاقة تكون فيه المعرفة هي المعطى الأساس للحرية، وهي التي تؤسس لشكل جديد من السلطة.

في العالم العربي، لا يزال معظم الدول خارج هذه المعادلة تماماً، فهي لا تزال تقف موقف المستهلك المتفرج، دون حتى خطط للانتقال إلى موقف المشارك على الأقل في إنتاج المعرفة.

وبالنظر إلى أن التخطيط الذي لم يبدأ بعد، يحتاج إلى أجيال للخروج من هذه الفجوة المعرفية الكبيرة مع العالم المتقدم تقنياً، فإن التراكم المتلاحق في إنتاج المعرفة وتقنياتها في العالم ينذر بكارثة عربية، يحتاج تداركها إلى يقظة فورية ومسارعة إلى توفير شروط اللحاق بهذه الثورة.

الأفراد سابقون ومتفوقون على الحكومات في العالم العربي في ما يخص هذه الثورة، إلا أن الأمر يحتاج إلى مشاركة جماعية تعتبر المعرفة أساساً لبناء المجتمعات، والمطلوب ليس فقط الانتقال إلى الإنتاج، بل كذلك توظيف هذه المعرفة في التنمية والابتكار، وتحسين حياة الإنسان التي لا يمكن أن تستمر، عدا أن تتطور، إلا بالحرية المبنية على المعرفة.

 

Email