الإرادة أولاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليست هناك تجربة تحديث في العالم ينهض في إطارها شعب ليتجاوز انكساراته، ويحقق نهوضاً لا موضع للتشكيك فيه، إلا وكان اجتماع الإرادة السياسية على حتمية تحقيق هذا النهوض، أياً كانت التضحيات التي يقتضيها، أول ما يحققه هذا الشعب، ويعتبره الرصيد الأولي والبهديهي الذي لا بد أن يوفره ويحشده.

من شأن نظرة واحدة على تجربتي التحديث في اليابان، وعلى ما أنجزته دول عديدة مثل ألمانيا وماليزيا وسنغافورة والبرازيل وغيرها كثير، أن تؤكد لنا أنه من دون إجماع الإرادة السياسية على الهدف الكلي الذي يريده شعب، تظل محاولة النهوض وتجاوز النكسات والانكسارات إهداراً للوقت والجهد.

ومصر لا تحتاج للنظر إلى تجارب الشعوب الأخرى لكي تدرك هذه الحقيقة، فتجربة التحديث المصرية في ظل حكم محمد علي كانت تجسيداً لهذه الحقيقة، وتجاوز هزيمة يونيو 1967 مر أولاً بانعقاد الإرادة السياسية للمصريين جميعاً، قيادة وشعباً، على استرداد كل شبر من أرض الوطن، مهما كانت التضحيات، وهو ما تحقق في نهاية المطاف.

اليوم تقف مصر في مواجهة عمل دؤوب، لا بد أن تقوم به لتجاوز العقود الطويلة من التجريف والتخريب التي عانت منها، ولكن يبدو واضحاً أن انعقاد الإرادة السياسية على حتمية تجاوز الآثار المروعة لهذه العقود لم يتحقق بعد، على الأقل ليس بالقدر الذي يلزم لتحقيق تجربة حديثة جديدة متكاملة.

حقاً إن مؤسسة الرئاسة في مصر تبدي في كل لحظة إصراراً على ضرورة الانطلاق في مسيرة البناء، وهناك قطاعات عريضة من الشعب المصري تشاركها هذا الإصرار.

لكننا في المقال نجد قوى إرهابية تعتمد التخريب منهاجاً للعمل اليومي، حيث تناصب الشعب المصري العداء، وتمارس هذا العداء على الأرض بشكل استفزازي سافر، يفرض على القيادة والشعب المصري حتمية التصدي له بكل القوة الممكنة.

في الوقت نفسه، نلاحظ أن شرائح من النخب السياسية في مصر تنظر إلى الحركة السياسية الآن من منظور منطق الربح والخسارة، من منظور الشريحة التي يمكنها الحصول عليها من كعكعة المكاسب. وهي في هذا السياق تخرج على إجماع الإرادة السياسية المصرية، سواء أكانت تدرك ذلك أم لا.

ربما لهذا، على وجه الدقة، تشكل الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة المرآة الأكثر وضوحاً، التي ستعكس مدى الوصول إلى تحقيق إجماع الإرادة السياسية في مصر، ويتعين على الجميع إدراك أن كل موقف لكل القوى السياسية في مصر سيسجل، والشعب لن يقف إلا إلى جوار من يدرك مدى خطورة التحديات التي تواجهها مصر اليوم، وينطلق للتصدي لها وخوض غمارها.

 

Email