سحر أميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

محترف ألعاب الخفة، لا سرّ بين يديه سوى أنه من يفرض شروط الرؤية.

وفوق هذا فهو يحضّر الرائي الضحية مسبقاً، ليصدق ويصفق لخدعة كررت إدهاشه. ما قدمته رأسمالية النهب للعالم لا يجاوز سحراً هذا سرّه، ووهمه الحرية والوفرة والارتقاء الإنساني، أما داخل القبعة السوداء فتخفي الولايات المتحدة الأميركية الحقيقة الأشد مرارة عبر التاريخ، لدولة أسست لمواطنيها نظام غابٍ، الحق فيه للقوة، ووفرت رعاية رسمية للتفرقة والعنصرية وإقصاء قطاعات واسعة من مجتمعها، تنتشر فيها البطالة والفقر، وتعظيم إحساسها بالحرمان بعيداً عن الوصول إلى السلع النادرة التي تدعي بها الوفرة، ولتخلق بذلك بيئة خصبة لتداول السلاح والمخدرات، فتكون أسوأ منظومة تحتضن جرائم القتل وإيذاء الذات عرفتها الإنسانية.

هذه النتائج لم يكن منتجها سياسات خاطئة قابلة للتعديل، وإنما هي كارثية فكر متجذر، هذا ما ينذر به أينما نبت، ولا يمكن محوه بتبادل ديمقراطي للحكم بين حزبين. والغريب أن يخرج زعيم دولة بمنزلة الرئيس الروسي بوتين، ليعلن أنه اكتشف الآن لغز الساحر، وأن الولايات المتحدة تعمل على تقويض النظام العالمي والإقليمي.

العالم ليس أميركا، ولكن هذا ما تحاول أميركا أن تقوله وتخلقه، بذات الكيفية التي كرس لها نظام أفكارها الكارثي في داخل مجتمعها، فهي عبر التفكيك الاجتماعي السياسي الاقتصادي للمجتمعات في المناطق المستهدفة، تعمل بكثافة على خلق نظامها الذي ينذر بمستقبل لا إنساني، محوره كانتونات عذاب متناحرة، تحركها هويات وهم بانتسابات طائفية ومذهبية وانتماءات ضيقة، إضافة إلى نهم الاستهلاك ومطاردة الوفرة، ويكون الاستمرار فيها للأقوى.

المهمة أمام نظام الأفكار الأميركي الكارثي، أكثر سهولة في حاضرها من أي وقت مضى، خصوصاً أن دولاً كثيرة تخلت عن أن تكون دولاً جامعة ترعى شعوبها اجتماعياً وثقافياً، وتركتها نهباً للتفكك وإعادة التشكل في بيئة من الفوضى.

وإن كان الكثير من أنظمة الأفكار المغايرة لهذا النظام، تجهر بالتضاد والعداء له، فهو ليس إلا من قبيل تلاعب الساحر أيضاً بشروط الرؤية، فعداؤها مجرد ثرثرة، وهي تشتغل في تكريس النتيجة ذاتها، حتى لو كان ذلك تحت رايات باسم الإسلام، مثالاً وليس حصراً، تسبق بإشهار السيف لتحويل الفكر والرسالة إلى نذرٍ بعالم من الرعب.

وفي الأعم، لا رسالة في العالم أشهرت إلى الآن، لتكون بديلاً صالحاً ومقابلاً لكارثية نظام الأفكار الأميركي.

 

Email