ناصر وصنع القرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الذكرى الرابعة والأربعين لرحيل الزعيم العربي جمال عبدالناصر، تعود العبارات العفوية والصادرة من القلب، التي أطلقها الكثيرون من البسطاء من أبناء الشعب المصري، لتذكرنا بالحقيقة الأساسية، وهي أن الغالبية الكاسحة من قراراته كانت في خدمة هؤلاء البسطاء، ومن أجل ضمان حياة أفضل لهم.

هذا ينقلنا إلى سؤال بالغ الأهمية، وهو: كيف كانت عملية صنع القرار تتم في عهد عبدالناصر؟

إننا نعرف أن خصوم الزعيم العربي ومنتقديه درجوا، في إطار انتقاداتهم له، على الزعم بأنه هو نفسه كان ينفرد باتخاذ العديد من القرارات، دون أن تمر هذه القرارات بالمؤسسات التي يتعين إصدارها من خلالها.

ولكن العديد من الدراسات العلمية المتخصصة تبرز اليوم، لتؤكد لنا أن قرارات عبدالناصر كانت قرارات مؤسسية؛ في المقام الأول، فالرجل الذي تخرج في كلية أركان الحرب المصرية العتيدة، وقام بالتدريس فيها، كان يعرف أن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات، وكان حرصه على تطوير المؤسسات وضمان فعاليتها هو الركن الركين لقوة الدولة المصرية ونهضتها.

ولو أننا ألقينا نظرة على كتاب «ناصر محارباً» لمؤلفته لورا جيمس، الصادر عن دار بلجريف ماكميلان، الذي يناقش أخطر القرارات الصادرة في عهد عبدالناصر، وهي القرارات المتعلقة بالحرب، لأدركنا أن هذه القرارات جميعها كانت قرارات مؤسسية، لا تصدر إلا بعد دراسات معمقة.

حقاً إن بعض هذه القرارات لم تحقق المراد منها، ولكن ذلك كان راجعاً للطبيعة المعقدة للمتغيرات في عهد عبدالناصر، وليس لآلية صنع القرار واتخاذه.

ومناقشة هذا الموضوع اليوم تستمد أهميتها من أن مصر مقبلة على مرحلة يتقلص دور مؤسسة الرئاسة فيها نسبياً، بحكم الدستور المصري نفسه، ومن هنا تأتي الأهمية الاستثنائية للبرلمان المقبل، الذي سيصيغ القوانين المتعلقة بمؤسسات صنع القرار السياسي في مصر وطبيعة الصلة بين هذه المؤسسات.

لهذا، على وجه الدقة، تتحول الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى ساحة الأحداث الأكثر أهمية في مصر، والأمل معلق على أن تحسم هذه المعركة لصالح بسطاء مصر وناسها المكافحين، الذين أمضى عبدالناصر عمره في خدمتهم، ولهذا يتذكرونه اليوم بكل هذا الحب والتقدير.

 

Email