الجواب والعنوان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يَعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبناء مصر بأنه في اليوم المئة لتوليه الرئاسة سيكون قد حقق هذا الرصيد أو ذاك من الإنجازات، وإنما كان صريحاً وواضحاً، حيث أكد أن الأمر يقتضي سنوات من العمل الدؤوب والشاق ليتحقق تغيير ملموس في حياة المصريين.

مع ذلك فإن ولع المصريين بالأمثال الشعبية يفرض حضوره في الشارع السياسي المصري، حيث يردد الكثيرون المثل القائل إن «الجواب يبان من عنوانه»، بمعنى أن الأمور تتضح من مقدماتها.

لقد انقضت مئة يوم من حكم السيسي، وأبرز ما تحقق فيها أن روحاً جديدة تطل من أرض مصر القديمة، وأن آمالاً كباراً بدأت تعلق على ما يمكن أن يأتي في قابل الأيام، وأن هناك نقطة ضوء في نهاية النفق.

والسيسي لم يأت وحده بهذه الروح، وإنما شدد عليها وأكدها، ذلك أن الشعب المصري يدرك أن مسيرته الآن تمتد في المنطقة الصعبة بين تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة. لكن مقارنة سريعة بين ما قبل هذه الأيام المئة وما نراه اليوم، تعد أكثر من دالة.

أتى حين من الدهر على الوضع الأمني في مصر بدا فيه شديد التعقيد والخطورة، مع انطلاق تنظيم "الإخوان" الإرهابي والتنظيمات الخارجة من إهابه في اعتماد العنف أداة للحركة السياسية، ولكن الحياة في مصر تجاوزت هذه الوضعية إلى حد كبير.

في الوقت نفسه نتابع انطلاق مصر، في مجموعة من المشروعات العملاقة، في صدرها قناة السويس الجديدة، واستزراع مليون فدان، وشق ثلاثة آلاف كيلومتر من الطرق التي تصب في إطار مشروعات التنمية.

إن هذا كله لا يعني أن أفق الحياة في مصر قد خلا من المشكلات والتعقيدات، وإنما يعني في المقام الأول، وفق تعبير هيغل الشهير، أن روحاً جديدة تدب في القوقعة القديمة، وأن الشعب المصري يراهن على غد أفضل، لأنه بعد كل هذا التراجع لا يمكن إلا أن ينطلق إلى الأمام.

 وفي الوقت نفسه، فإن السياسة الخارجية المصرية تقدم لنا أكثر من مؤشر دال على طبيعة المرحلة المقبلة، فعودة مصر إلى مكانها في الإطار الإقليمي العربي تطور طبيعي ومنطقي، يضيف المزيد من القوة والمرونة إلى حركة الأشقاء العرب، وفي الوقت نفسه يتضامن معهم في مواجهة تحديات المرحلة، وهي ليست سهلة ولا قليلة.

لقد كانت مصر، منذ القديم، البلد الذي اخترع إحصاء الأيام، لكنها في هذه المرحلة تحصي الإنجازات، أو على الأقل هذا ما يتطلع أبناؤها إلى تحقيقه.

 

Email