دبي التي لا تعرف المستحيل
تنضج داخلها كل التصورات والطموحات والأعمال الباهرة، وبمتعة لا توصف من الاندهاش المبهر تتعرف على دبي، كيف نسج العربي الخليجي من أشرعته في البحر وقلاعه في الصحراء أحلامه الكبيرة في هذه المدينة.
نزعت عنها كل أساطير الرواية الخيالية "لسائح غربي يلتقط صوراً تذكارية" ويرمي دفتر شيكاته السياحية، حتى غدت رمزاً لانعتاق العربي الخليجي من حدود الزمان والمكان، ونزوعه المطلق هو أيضاً رمزٌ لنزعة الكشف والاستقراء المستمر عن الأجمل والأحدث والأنبل، وإبحارٌ دائم في المدهش والمستحيل.
غادرتْ دبي مرافئ الماضي نحو التحول والتغيير تحمل على دفتيها اللؤلؤ والمحار ومرساتها "مزماة" لا تلين في عواصف البحر، هذا الانعطاف اللا متناهي نحو المستقبل لإمارة دبي له تفسير واحد: إن وجدانها في صحة جيدة وأبوابها لا توصد في وجه البحر والشمس والصحراء، وعينيها خضرة وافرة، وساقيها أبراج دائمة التأهب عالياً، وجسدها سباق لولادة جديدة وبشارة دائمة، وعقلها يسكنه حلم من تراث وتاريخ عربي وحاضر ومستقبل عالمي.
دبي حلمٌ من فيروز، وقوة الواقع في البصر والبصيرة، لا هشاشة بفكرة المنافسة ولا تيه عن طريق عبدته سواعد متوضئة بإيمان الله وأوفت بعهد استمد من وتد خيمة تحت نخلات بلغت شموخ المجد، منذ البدء لم تكن دبي تفتعل ضجيج الخطط الذي يملأ بيانات الصحف ممسكةً ببوصلة تعرف الفرق بين الهدف وبلوغه لتنساق خلف أفعال متراكمة ليعلن ربان سفينتها لحظة وضع مولود جديد تحت سمائها.
إيمان دبي بالماضي وبالمستقبل مكنها من الإمساك بدفة اليقين الذي لا يتزعزع بأن طريق المستقبل مفتوح أمام دبي، وكأنه لا يشبه أحداً غيرها رغم كثرة الوجوه، فأنت من السهل أن تتعرف إليها من بين آلاف المدن، كيف ذلك؟
عشقها السري والعلني للتميز عن الجميع يكشفها، وبمنتهى الحضارة سرعان ما تتعرف على تركيبتها المتميزة لتكتشف الكنوز المخبأة تحت عباءتها، ومع كل ذلك سرعان ما تكتشف أنك تائه مهما بلغت قدرتك وحاستك على الاستكشاف لأنك لن تستطيع التعرف على الجنين القادم من رحم دبي، إنها تحمل في كل يوم بشارة جديدة مختلفة عما سبقها.
نعم، في بؤبؤ العين في دبي يرقد مواطنها، وفي عقلها ووجدانها فيض من جذور التاريخ والحداثة المنقطعة النظير، لأن من يخطط لدبي إنسان يعرف أن أية حضارة لا تُدخل في حسابها قلب الإنسان تصبح بلا جذور وبلا أعماق، فكان الغوص عميقاً لصيد اللؤلؤ يقابله التحليق في الفضاء لتقيم دبي تحالفاً عجيباً يرتقي بمستقبل الإنسان، جارفةً معها مئات الخرافات والأساطير المستوطنة في تلافيف العقل الغربي عن الإنسان العربي.
دبي وردة جميلة في صحراء الملح، جزيرة من فيروز، وسواعد وعقول لا تكل ولا تنام. وعصيان مستمر على المستحيل.