فوكوياما والتاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل خمسة وعشرين عاماً، وإن شئت المزيد من الدقة في جنيف 1989، نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية مقالاً يحمل عنواناً طبع بحروف بارزة هو «نهاية التاريخ»، للباحث الاختصاصي في العلوم السياسية فرانسيس فوكوياما، جوهره أن المعارك الأيديولوجية الكبرى بين الشرق والغرب قد انتهت، وأن الديمقراطية الليبرالية الغربية قد انتصرت.

ومع انتشار الاحتجاجات المناوئة للشيوعية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي آنذاك، بدا أن فوكوياما كان محقاً تماماً، وتحول بين عشية وضحاها إلى نجم العلوم السياسية، ولم يتردد جون غراي في وصفه بأنه «فيلسوف بلاط الرأسمالية العالمية». وعندما صدر كتاب فوكوياما «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» بعد ذلك بثلاث سنوات، كانت علامة الاستفهام التي برزت في عنوان المقال قد اختفت.

وقد تكررت مقولة «نهاية التاريخ» مرات لا حصر لها بما أضفى عليها في نهاية المطاف طابع الحقيقة، برغم أننا نعرف أن هناك من المفكرين والكتّاب في الشرق والغرب على السواء من تصدوا لتحديها، وضرب بعضهم أمثلة مضادة من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر والربيع العربي، برهاناً على أن الصراع الأيديولوجي لا يزال مستمراً.

ولكن فوكوياما حرص على تأكيد أنه لم يقل إنه ما من شيء سيحدث، وإنه لن تكون هناك بلاد في العالم لا تتوافق مع الديمقراطية الليبرالية الغربية، وشدد على أنه يتحدث عن الأفكار، وليس عن الأحداث، وأنه يعتقد أنه لن يكون هناك نظام يتفوق على الديمقراطية الليبرالية الغربية، بتوازنها المميز بين الحرية والمساواة، وأن تحققها سيفضي إلى هدوء عام في شؤون العالم.

هنا لا بد من أن نلاحظ أن فوكويوما قد استمد الكثير من طروحاته من فلسفة هيغل التي تحدد التاريخ، باعتباره عملية خطية قوامها المراحل، وأن التقدم التقني والحسم التراكمي للصراع سمح للبشر بالتقدم في المجتمع القبلي إلى الإقطاعي ومن ثم الصناعي، وبالنسبة إلى ماركس، فإن هذه الرحلة انتهت بالشيوعية، أما فوكوياما فهو يعلن عن مقصد جديد.

ونحن نعرف أنه على امتداد ربع القرن الذي نتحدث عنه هنا، تعددت الطروحات التي بادر أصحابها إلى تحدي الطرح الذي تقدم به فوكوياما.

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هنا هو: هل الطروحات الجديدة المتعلقة بتحدي رؤية فوكوياما، من خلال الإشارة إلى انتفاضات الشباب على امتداد مناطق عديدة في العالم، تدعو إلى التفاؤل حقاً؟

من الواضح أن الوقت لا يزال مبكراً للغاية بالنسبة إلى التصدي بشكل جدي لهذا السؤال، ولكن علينا أن نتذكر أن فوكوياما نفسه هو الذي سبق له أن أشار إلى أن هناك من المتغيرات عند نهاية التاريخ، ما قد يدفعه إلى البدء من جديد.

كامل يوسف حسين

Email