تنمية الإنسان ومطالب الشعوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

طوال السنوات الماضية من عمر دولنا، تغلغلت كلمة "التنمية" في نفوسنا، لما تؤكد عليه الحكومات من أن التنمية من وإلى الإنسان دون شيء آخر. وحقيقة ندرك الجهود التي تقوم بها الحكومات في دول الخليج للتنمية والتطوير، سواء من حيث البنى الأساسية، أو توفير جزء من البناء التنموي للإنسان حسب ما تتعارف عليه الحكومات في أجنداتها.

التنمية مفهوم برز في علم الاقتصاد، حيث استخدم للدلالة على "عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع ما، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر، بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل فرد". ولاحقا تطور حتى أصبح مرتبطا برفع مستوى ثقافة المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع، وهي الفرد والجماعة، والمؤسسات الاجتماعية، والمنظمات الأهلية.

لكن تركيز بعض الحكومات على تنمية الأرض أكثر من تركيزها على تنمية الإنسان، قاد الأفراد إلى مزيد من الفقر، فقد ركزت تلك الحكومات من خلال منهج التنمية الذي سارت عليه، على بناء المدارس والجامعات، والمراكز الصحية والطرق، وغيرها من القوالب الإسمنتية، بينما تناست أو بمعنى آخر غيبت دور الإنسان في عملية التنمية كأساس للبناء.

فلم تكن مناهج التعليم عاملًا مساعداً لتوعية الإنسان بما يحيط به من تحديات، ولم توجه البرامج التعليمية فكر الطالب أو الإنسان عموماً، نحو سلوك الطريق الصحيح الذي يكون قادراً من خلاله على إيلاج نفسه في بيئة تساعده على إدارة شؤونه، للدخول في ما يعرف بسوق العمل حسب متطلبات التنمية.

لذلك تكدست أعداد من الخريجين وهي تبحث عن وظائف، لأن التركيز كان فقط في التعليم، وليس ما بعد التعليم، رغم كون ما بعد التخرج أهم من قبل التخرج، سواء للحكومات أو سياساتها أو حتى للإنسان ذاته، حتى لا تتكدس نسب الباحثين عن عمل أكثر من قدرة حاجة الدولة لذلك. وهذا ما أكدته النتائج الأخيرة لمخرجات التعليم في بعض الدول، سواء العالي أو الشهادة العامة، حتى باتت تلك المجتمعات مهددة أمنياً، وسياسياً.

ولكن لو قامت الحكومات بوضع روزنامة محددة للتنمية، ووجهت الشباب إلى نوعيات محددة من التخصصات، لما عانت اليوم من تشبع في بعض الوظائف وتكدس المخرجات في عدد من البرامج التعليمية.

نعم التعليم للتعليم، ولكن اليوم كل إنسان يتعلم لتحسين حياته المعيشية، وتكوين أسرة، وبناء منزل. لذلك كان يجب على الحكومات، العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، أن تدرك أن أي تنمية إذا لم تركز على بناء الإنسان قبل المكان فلن تكون هناك عملية تنمية، لأن منح حقوق الإنسان هو أساس نجاح أي برامج للتنمية. وكما أكدت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي "استحالة تحقيق التنمية المستدامة دون المراعاة الواجبة لحقوق الإنسان". فهل تدرك الحكومات درس التنمية أم ستظل كما كانت قبل ثورات الشباب؟

Email