صندوق الربيع الفرنسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على خلاف الربيع العربي التائه بين الفوضى والثورات والقتل والدمار وتغريدات القنوات الفضائية، حل فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا للسنوات الخمس المقبلة، بعد ان أطاح بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي عبر صناديق اقتراع، رشحه شعبه بسلاسة وسلمية. جولة انتخابية تؤكد معاني الديمقراطية في دول الجمهوريات المتقدمة، ليتقدم هولاند بـ 51.9 في المئة عن منافسه ساركوزي، ليدخل في أروقة الإليزيه من أوسع الأبواب المشرعة بالديمقراطية.

 فقلما وجدنا تزويرا وعنجهية من قبل رؤساء تسيدوا العالم واثبتوا ان المنصب تكليف وليس تشريفا، جاؤوا لتأدية دور لمرحلة زمنية. ورحلوا بعد ان أثبتت صناديق الاقتراع مجيء غيرهم. صناديق لم تجد تزويرا بنسبة 99 %، بل شهدت تلك الصناديق على انتقال سلس للسلطة في دول كبرى، تقدم لنا قيما في مفاهيم تقبل قرار الناخب.

بخلاف ما يحدث في عالمنا العربي الذي يجب ان يتقبل الناخب تزوير الحاكم الذي قضى ثلاثين أو أربعين عاما في سدة الحكم ولا يريد ان يتزحزح إلا بقتل الشعب حتى يبقى وحيدا على رأس السلطة. فوز هولاند وغيره من الرؤساء السابقين في العالم المتقدم يعطي دروسا وعبرا في ان السلطة ليست ملكا لفئة ما، بل هي تأتي للأشخاص الذين يختارهم الشعب. اما ان يبقى رئيس عربي طوال حياته حاكما متسلطا على شعبه، فهذا لا يمت بالديمقراطية ولا النظام الجمهوري بشيء أساسا.

لذلك جاء الربيع العربي، مقهورا، طالبا نهاية الاستبداد من حكام ووزراء جعلوا من بلدانهم مصالح خاصة لإشباع رغباتهم وتم عمل فوضى وتأخر في التنمية والاصلاح الذي يطالب به الشعب. إن قرار تغيير الدساتير في عالمنا العربي، يجب ان يشمل ان لا سلطة مطلقة لحاكم.

وان مكوثه أكثر من فترتي حكم لا يجب ان يكون مهما قدم لبلاده، فقد يأتي حاكم آخر أفضل منه، ولا نريد ان نتبع القول «اصبر على مجنونك لا يجيك أجن منه» فهذا المثل لا يمثل مقارنة عادلة مع حكام عاثوا فسادا في شعوب الأمة العربية، لأن من خلق ذلك الحاكم خلق أفضل منه أيضا. نحن اليوم على أعتاب مرحلة تحول كبيرة في عالمنا العربي، قد يكون التحول نحو الأمام، وقد يكون العكس، ولكن في ظل ما نشهده من فوضى الربيع العربي، فإننا نرجح القول الأخير، حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود في ظل هذا الحال.

إن تجارب العالم العربي المتقدم، يجب ان تكون حاضرة أمام أعيننا لنبصر ونتبصر في ما حققه ذلك العالم، ليضرب لنا أمثالا في الديمقراطية الناجحة ولو أنها ليست بنسبة مئة في المئة. ولكن هي ديمقراطية الصندوق واختيار الشعب الحر، لأن ذلك هو ما يقود الدول للربيع الذي يحرز تقدما واسعا في التنمية الناجحة، أما ما يحدث بين ظهرانينا فهو في خانة التجارب في الشعوب، التي ترزح تحت وطأة الغبن والقهر من الأنظمة المتسلطة وغير العادلة أمام شعوبها.

Email