القنوات الفضائية وحارس البوابة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جلست ابنتي «مريم» ذات الست سنوات تقريباً تتابع أحد المسلسلات على إحدى القنوات الفضائية، وكلما جاءت صورة خادشة للحياء، مثل القبل أو صورة من الصور بين ممثل وممثلة تكون خارج إطار المألوف، تقوم بإغماض عينيها بيدها حتى لا تشاهد المشهد الفاضح.

«مريم» ليست الوحيدة من الجيل الحالي أو الشباب والشابات اللاتي يتابعن العديد من المسلسلات المدبلجة التي جاءت بها القنوات الفضائية بغية تسويق نفسها للمشاهد. واكتساب أكبر عدد من المتابعين لهكذا مسلسلات، الهدف الرئيسي لدى القناة وغيرها من القنوات المماثلة هو اكتساب شركات إعلانية بأكبر عدد ممكن.

لقد أصبحت القناة وسيلة ترويجية للسلع والخدمات، أكثر من كونها وسيلة إعلامية ذات رسالة ومسؤولية اجتماعية، وهذا كله في ظل غياب الحس الإعلامي والاجتماعي لدى حراس البوابة أو المسؤول الرئيس في هذه القنوات والمؤسسات الإعلامية.

لقد دأب هذا الحارس على جلب مسلسلات هابطة وضعيفة من الإنتاج الرخيص غير الهادف سوى تمييع الفكر للجيل من الشباب والفتيات، لتكون شخصيات هذه المسلسلات من الرجال والنساء و غيرهم من الممثلين والممثلات قدوة ومثلا أعلى سواء للشباب أو الفتيات في مجتمعاتنا، هذا بخلاف صور المراهقات في المسلسلات الأميركية، اللاتي يرقصن ويتمايلن ويعشقن و«يرافقن»، زملاء الدراسة والمبيت في بيتهم أو تبادل «المبيت» ويعرضن نموذجا للحياة بين الجنسين لا يتوافق البتة مع تقاليد مجتمعاتنا العربية والإسلامية..

إن مثل هذه المسلسلات تغير في البنية الأخلاقية والثقافية لمجتمعاتنا، وتؤثر بشكل مباشر على الأجيال المراهقة في مجتمعاتنا، وتطرح مفاهيم خطيرة مضادة مقابل عاداتنا وتقاليدنا التي تربينا عليها في السنوات الماضية قبل الغزو الإعلامي الفضائي، هذه المفاهيم التي يستنكرها جيلنا البالغ الواعي المتمسك بالتقاليد والذي يرفض الصورة التلفزيونية غير الواعية التي تعرض على القنوات الفضائية.

ولكن للأسف أنه مهما حاول الآباء النصح، وإجادة التربية داخل البيت، هناك دائما خروقات كبيرة من قبل الفضائيات وخاصة العربية، التي كل همها تمييع الجيل الحالي وإفساده، بدل المساهمة في بناء بيوت آمنة وتربية فكرية ناصحة مدعومة بعاداتنا وتقاليدنا الحسنة التي حضنا عليها ديننا. وآباؤنا وأجدادنا.

 وقبل أيام قرأت خبرا من رأس الخيمة على صفحات البيان، حول ما تشكله المسلسلات التركية من هدم للعلاقة الزوجية بعد انشغال الزوج والزوجة بمتابعة هذه النوعية من المسلسلات التي باتت وجعا في قلب كل منزل، خاصة أنها لا تأتي إلا بالمشاكل والخيانات والترصد للبعض.

وقدم قسم الإصلاح والتوجيه الأسري في دائرة محاكم رأس الخيمة 1629 استشارة أسرية. كما تداول 188 حالة خلافات منوعة فقط في الربع الأول من العام الجاري. والتي تنتج بسبب الهوس المجتمعي الجديد نحو المسلسلات التركية.

إن مثل هذه الحالات يجب على القائمين على الفضاء التلفزيوني المفتوح أن يتقوا الله في الأسر، ويغلبوا مصلحة المجتمع فوق أية اعتبارات، وان يحرصوا على بناء مجتمع سليم عبر التغذية ببرامج أسرية واعية وهادفة تسهم في تنشئة أجيال تخدم أوطانهم، لا أن تهدم المجتمعات. ومهما جاهدت الأسرة في منع مشاهدة هكذا برامج ومسلسلات «غير هادفة»، فإن اختراق القنوات للمنزل والأسرة بات فوق كل محاولة.

لذا فإننا عبر هذه الكلمات ندعو مؤسسة البرامج الخليجية المشتركة، ووزراء الإعلام في الدول الخليجية، باتخاذ موقف حازم تجاه انتقاء نوعية المسلسلات والبرامج التي تعرض على المشاهدين، وان يتم احترام المشاهد خاصة الأطفال الصغار الذين يعيشون حالة اغتراب وسط ما يعرض على الشاشات الفضائية ، حتى نستطيع بناء جيل قادر على العطاء، والتواصل وخدمة مجتمعه الصغير والكبير بعيدا عن المسلسلات التي تشكل مضيعة للوقت والفكر والأخلاق والقيم.

Email