الإسلاميون والدولة المدنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو ان الخوف بات واضحا ومسيطرا على الشعوب العربية من انقلاب الحال في دول الربيع العربي ومن مسألة التحول الذي يجري على المشهد السياسي، حيث تضع كثير من الشعوب يدها على قلبها مع هذا التحول الذي تشهده دول الربيع العربي بعد سقوط الدكتاتوريين من على قمة النظام السياسي بعد تربع لعقود قاربت للبعض أربعين عاما ونيف. ومع تلاشي حكم الأنظمة السابقة، بدأت تتسلل رويدا رويدا وبكل هدوء جماعات الإخوان المسلمون كما يطلق عليهم. بدءا من حزب النهضة في تونس أو الحرية والعدالة في مصر، وأخوانهم في ليبيا، أو الإصلاح في اليمن، وما شهدته الانتخابات في المغرب، ومع هذا الدخول غير المتوقع بعد سنوات من كبح جماح تلك الجماعات على يد بن علي والقذافي ومبارك.

لكن هذه الجماعات بدأت تشق طريقها اليوم بأريحية غير مسبوقة. ورغم تخوف الغرب وخاصة أميركا وإسرائيل من هذه الجماعات، ومباركتها من جانب، لكن يبدو ان تلك المخاوف أو المباركات وراءها أشياء عدة، أولها إنها تريد تلك الدول ان تضرب الجماعات الإسلامية مع الأنظمة الداخلية والشعوب، كما هو الحال بين حماس وفتح. فبعد أن رحبت تلك الدول باختيار الشعب الفلسطيني في الانتخابات، سرعان ما سارعت الفوضى والخلافات تدب داخل السلطة الفلسطينية، وانتشر الفساد الداخلي والانفصال بين أقطاب السلطة الفلسطينية، وتشتت القضية، وبات الهم الأول إصلاح ذات البين، وليس حل عادل للقضية بوجه عام.

وهكذا الحال يبدو في دول الربيع العربي التي ستقودها الجماعات الإسلامية، لأن سياستها ونظرتها للأمور في بلدان كمصر وتونس ستتضارب مع مصلحة الدولة، التي تعتمد على السياحة وفتح الحانات والملاهي الليلية، ووجود مسيحيين في بعض البلدان، وبعضها يوجد بها يهود. وغيرها من معززات السياحة، أو الديانات، كما تعودت عليه تلك الدول وتعايشت معه بسلام طوال العقود الماضية. وبالتالي ستتضارب هذه مع سياسة وقبضة الإخوان المسلمون، رغم حرص وتصريح البعض بالاعتدال في ادارة الحكم، ولكن لا يبان الأمر هكذا على أية حال.

وكلنا أمل ونظرة للمستقبل ان تتغير النظرة تجاه هذه الجماعات، وتحقق حلم الشعوب بوجود سلطة تخاف الله في أرزاق الشعوب، مع الاعتدال في ادارة الحكم، حتى لا تنقلب عليها الشعوب، وتتولى أنظمة سلطوية الحكم ويكون الأمر دواليك.

إن الاعتدال منهج إسلامي، مع إدراك ان الوضع اختلف عنه في سابق الأزمنة، وان العالم اليوم مختلف كثير الاختلاف عنه في وضع الدولة الإسلامية. اليوم يجب ان يسود الاعتدال في دفة الحكم، وان يحقق النظام السياسي الإسلامي عبر الجماعات الإسلامية، آمال وتطلعات الشعوب العربية، التي ظلت تعيش سنوات من ظلم أنظمة دكتاتورية. وإذا لم تتعامل الجماعات الإسلامية، بنظرة مستقبلية معتدلة مع الشعوب التي تعيش زمن الانترنت والتواصل الاجتماعي فإنها ستسقط دون شك، ولكن يجب ان تثبت هذه الجماعات عكس ما يلوكه الساسة والمغردون خارج سرب النظام السياسي الإسلامي الذي عهدناه يتوافق مع كل زمان ومكان.

ولتأخذ الأنظمة الجديدة في دول الربيع العربي، دول الخليج العربية مثالا لتجربة القيادة المعتدلة في ادارة شؤون البلاد، وهو ما نؤكد إنه سيكون حلا لمرحلة انتقالية لتلك الدول التي تعيش اليوم تحديات عديدة أولها تأمين حياة كريمة للإنسان، وإيجاد وظائف متنوعة للشباب من المخرجات التي تتزايد كثيرا عاما بعد عام. واحترام حقوق الإنسان، ووجود بيئة تعليمية قادرة على تعزيز الفكر العربي، ليكون خلاقا في الابتكار. بجانب ايجاد ادارة نظيفة في المؤسسات، وحلحلة مشكلات المرور خاصة في مصر، وسرعة وشفافية العمل الإداري.

كلها عوامل تشكل أساس نجاح للنظام الإسلامي الجديد الذي نأمل ان يغير مفهوم الدولة في مرحلة نهضة الشباب العربي.

Email