عين الديمقراطية تصاب بالحول

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت صدمة اللحظة، حينما شاهد وتابع الكثيرون صور الاقتحامات غير السوية لحال الديمقراطية في دولة الكويت الشقيقة التي كان جميعنا أو أغلبنا في العالم العربي، يضرب بها مثالاً في تطورها الفكري، ونضج تجربتها وحرية صحافتها ورجاحة عقل أعضاء برلمانها، لكن يبدو أن الحول أصاب عين الديمقراطية الكويتية.

لكن منذ ليل الأربعاء، تغير مشهد الصورة للديمقراطية في ذلك القطر العربي الكويتي، وتغيرت مسارات الفكر لدى عدد ممن يؤمن بالديمقراطية، ليؤكدوا أنها فوضى الديمقراطية ليس إلا. هكذا حال «عربنا» حينما يعطون شيئا من الحرية والديمقراطية بشكل «بحري» أي بطلاقة، لدراسة واقع وأمر ما ومناقشة مشاكل وأعمال حكوماتنا ومسؤولينا، نعود لموجة همجية «الجاهلية الأولى» ونكشر عن أنيابنا لنكشف حقيقة دواخلنا. كانت لحظات غير سوية بتاتاً، لمشهد اقتحام برلمان الأمة الكويتي، وكان تعدياً صارخاً ضد سياسة بلد، وهجمة عدوانية، وغير قانونية. ومهما كانت فظاعة الأمور التي ساقت تلك الفئة الهائجة، لشن هجمة غير حكيمة، والدخول عنوة دون وجه حق لبرلمان، يشكل وجهاً وطنياً وحضارياً لدولة عرفت الديمقراطية منذ أزمنة غابرة.

سمو أمير الكويت، أكد أنه يوم أسود تشهده بلاده، ضد الديمقراطية التي سبقت بها الكويت الدول العربية، لكنها بذلك المشهد رجعت الكويت سنوات للوراء.

في ذلك اليوم توقف الزمن أمام ذلك المشهد غير الديمقراطي، وركبت فئة طريقاً غير الطريق الذي عُرفت به حكمة الكويت. إما أنها تريد أن تبزغ إعلامياً على فضائيات، تسير مع موجة الربيع العربي، أو أنها فقدت العقلية الراجحة للحوار البنّاء لخدمة بلادها. قد يكون، وهذا ليس مبرراً، أن تكشف تلك الهجمة، وجهاً حقيقياً للديمقراطية الفاشلة في دولنا، وأننا لا نزال لا نعرف معنى الديمقراطية بشكلها الصحيح، غير ان نتصارخ في وجه بعضنا بعضاً بغير حجة ولا برهان. لتعلو أصواتنا وكأن «عربنا» لا يعرفون غير طريق صراخ الأصوات عبر المنابر، وأن بلاغة العرب لا تكون إلا فوق المنابر وأمام كاميرات التلفزة والفضائيات، وكأننا نسير على طريق المثل القائل «خذوهم بالصوت لا يغلبوكم».

ديمقراطية الكويت اليوم تحتاج لوقفة حزم من قيادتها الحكيمة، حتى يتم إيقاف تلك الصور للمهزلة غير الديمقراطية، لمرحلة دخلت فيها الكويت منعطفاً جديداً من خلال تحديات عديدة جغرافية وتنموية.

كلنا نحارب الفساد بين المسؤولين كباراً وصغاراًَ، بعد أن أصبح مستشرياً، ويجب مواجهة ومحاسبة كل من تسول له نفسه اللعب بالمال العام، ويفكر في مصلحته الخاصة دون عامة الشعب، ولكن لا يمكننا ان نواجه الخراب بخراب آخر، ويؤدي لتشويه صورة الديمقراطية التي تم تحقيقها في ذلك البلد العربي.

اليوم الكثيرون يتحدثون، بأنه إذا كانت هذه هي نتيجة الديمقراطية، فلا نريد ان نصل إليها أو تصلنا. وما وصلت اليه الكويت من تنمية «محلك سر» منذ سنوات، وجعلت دولاً أخرى في المنطقة تتفوق على الكويت تنموياً، في حين كانت الكويت مثالاً لهم، لكن لا ينبغي ان تواجه بهكذا حال.

لأن هذا دمار للتنمية الحالية وللديمقراطية التي وصلت إليها الكويت. إن مثال التجربة الديمقراطية، بات اليوم وبكل أسف متوقفاً عند ذلك المشهد الفوضوي الذي شكلته فئة لا تفقه شيئاً في النهج الديمقراطي.

وبذلك لا تقف الأمور عند تلك الصورة بل قد تتعداها لتصل الأمور لحالة هيجان فكري سيختلط فيها الحابل بالنابل. وما حادثة التراشق «بالعُقل» التي كانت حديثاً سابقاً للفضائيات والمجالس، إلا بداية لمشهد ما وصلت إليه الكويت، ليلة الأربعاء الأسود، وهكذا تطورت الديمقراطية حتى وصلت لفوضى عارمة شوهت الديمقراطية في عالمنا العربي.

Email