إنفلونزا اليونان

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن شهدنا في الربيع العربي تتساقط أوراق بعض أنظمة الحكم، بدأ اليوم يأخذ منحى جديداً نحو حروب داخلية طائفية، لكن يبدو أيضاً أننا بدأنا ندخل في ربيع غربي، يمكننا أن نصفه في هذه الحال بأنه «شتاء اقتصادي أوروبي قارس»، كون الغرب مقبلاً على دخول الشتاء، وهو ما قد ينبئ عن سقوط عرش العملة الأوروبية «اليورو» في ظل أزمة اليونان.

ولعل واقع الحال يشير إلى بداية أزمة اقتصادية طاحنة في دول الغرب وأميركا، مع صعود القوة الاقتصادية المقبلة المتمثلة في التنين الصيني، ومع احتمال أن تلعب روسيا دوراًَ جيوسياسياً في قادم الأيام، عبر التحالف بين الصين وروسيا للعب دور أكبر في المنطقة وفي العالم، بعد استخدامهما حق النقض الفيتو في مجلس الأمن بشأن التدخل الأجنبي في سوريا.

ومن جانب آخر، ومع تراجع شعبية الولايات المتحدة الأميركية كقوة أحادية، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشكو منها كثير من الباحثين عن عمل، رغم محاولات الرئيس الأميركي باراك أوباما فعل شيء بشأن الوضع الداخلي لبلاده، بغية استمراره في كرسي الرئاسة لسنوات أربع أخرى.

وبما أن الربيع العربي حرك كثيراً من الشعوب وأدخلها في مواجهة مع الحكومات المتسلطة، وما أسفر عنه من تغيير في سياسات عديد من الدول العربية، فإن الشتاء الاقتصادي العالمي القادم، ينتظر أن يغير مسارات خطط اقتصادية وقد يؤدي إلى إعلان إفلاس بعض الدول كاليونان، إذا لم تبادر دول مثل ألمانيا وفرنسا للدفع بحزمة منتظرة من المعونة المالية لليونان.

وإلا فإن الوضع سيبدأ في التكشير عن أنيابه للاتحاد الاقتصادي الأوروبي، بل اقتصاد العالم برمته، حسب ما أكده رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. وهو ما يهدد بأزمة مصرفية شبيهة بحالة إفلاس بنك ليمان براذر الأميركي.

لذا فإن قادم الأيام سيشهد انعطافات كبيرة في الاقتصاد العالمي، ورغم أن الاقتصادات الخليجية بعيدة عن حالة «الزكام» بإنفلونزا اليونان، فإن تأثيرها قد يطال اقتصاديات المنطقة في حال انهار اليورو، وهو ما قد يؤثر في السائح الأوروبي الذي يأتي إلينا.

وبالتالي ستخف حركة السياحة من الغرب الأوروبي، خاصة وأن دولة مثل بريطانيا، رغم أنها خارج منطقة اليورو، بدأت بفرض رسوم حتى على دفن الأموات، تصل إلى 175 جنيهاً إسترلينياً. وهو أمر قد يصاحبه كثير من القرارات الأوروبية لتعزيز اقتصادياتها في الأيام القادمة، مع تزايد أعداد الباحثين عن عمل في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

لذلك نرى أن حراكاً كبيراً قد يشهده العالم، إما لحلحلة الأزمة اليونانية وهو خيار مطروح أوروبياً، وإما أن تكون هناك حالة من الركود للاقتصاد العالمي، وهو أمر يستبعده كثيرون، ولكن بحذر، خاصة بعد أن أعلن قبل أيام ارتفاع العجز في ميزانية اليونان بنسبة 15% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ليصل إلى 19.16 مليار يورو.

لكن اليونانيين قللوا من هذا الارتفاع، وأكدوا أنهم كانوا يتوقعون ارتفاعا أكبر. فلعل الدفع بالحزمة القادمة البالغة 8 مليارات يورو، والتي من المنتظر تقديمها في مطلع نوفمبر المقبل، ستهدئ الأوضاع المتزايدة اضطراباً. ولكن في المقابل، يجب على اليونان أن تفصح عن خططها الإصلاحية لاقتصادها المتهالك، خاصة وأن دولاً مثل سلوفاكيا أعلنت أنها لن تتحمل أخطاء الآخرين.

وهو ما وضع جهود الإنقاذ في حالة من الارتباك والتعقيد. لكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أكدت أنها متأكدة من أن سلوفاكيا ستذعن لجهود الإنقاذ في نهاية المطاف.

لذا يبدو أنه رغم كل هذه الجهود لاحتواء أزمة الديون السيادية في أوروبا، فإن الإنفلونزا اليونانية قد تصيب كثيراً من الاقتصاديات العالمية، وهو نذير شؤم يتطلب علاجاً فعالاً من كل الدول، سواء المتضررة مباشرة أو بشكل غير مباشر.

Email