نتابع يومياً التغيرات والأحداث الاقتصادية في العالم ولا ندرك تماماً مدى تأثيرها على حياتنا اليومية، حيث إن تداعياتها تظهر تدريجياً، ومع مرور الوقت نعتاد عليها ونجد أن أسلوب حياتنا قد تغير دون أن نشعر. وابتداءً من ارتفاع أسعار المعادن النفيسة مروراً بتقلبات أسعار النفط وصولاً إلى انخفاض سعر صرف الدولار.
وتأثير جميع هذه المتغيرات على جميع القطاعات الاقتصادية. مع ارتفاع أسعار الذهب ستتوجه الدول لتحصين اقتصاداتها بزيادة مخزوناتها من المعدن الأصفر، وكذلك المستثمرين سيتدافعون لتحويل رساميلهم من العملات الورقية إلى سبائك ذهبية، فهي الملاذ الآمن في هذه الأيام، وسيدفع هذا الإقبال الأسعار للمزيد من الصعود.
وفي ظل هذا الارتفاع سيعزف البعض عن الزواج في معظم البلدان التي تقتضي عاداتها على تقديم الذهب لإتمام مشروع الزواج، وتقديم كمية كبيرة من الذهب يعتبر لدى البعض معياراً لقياس مدى حظ الفتاة بزوجها، وفي هذه الحالة سينتظر أصحاب الدخل المحدود انخفاض الأسعار ليعبروا عن مدى حبهم لزوجات المستقبل، وإن لم ينخفض سعر الذهب بل واستمر في الصعود فيجب أن يبتكروا طرقاً بديلة. ومن الذهب إلى العملات الورقية التي يلعب تقلبها دوراً محورياً في أداء اقتصاد البلدان.
وفي هذه الأيام يصب انخفاض الدولار في مصلحة صادرات أميركا والدول المرتبطة عملتها بالعملة الخضراء، وفي الإمارات ينعكس الانخفاض إيجاباً على القطاع السياحي وإذا ما استمر سعر صرف الدولار بالهبوط فسيزداد توافد السياح، وسيزداد الطلب في الإمارات على العاملين في قطاع الضيافة ويزداد نمو أعمال جميع القطاعات المتعلقة بقطاع السياحة.
كما سيؤدي ارتفاع اليورو والين والفرنك السويسري إلى ارتفاع أسعار المنتجات الأوروبية واليابانية وانخفاض نسبة صادراتهم، وفي منطقتنا ستتراجع مبيعات السيارات اليابانية والأوروبية والساعات السويسرية بسبب ارتفاع أسعارها وحينها سيعتمد ذوي الدخل المحدود في مواعيدهم على العقارب الأميركية أو الصينية.
هذا إن سنحت لهم الفرصة فيما سلف بالاعتماد على العقارب السويسرية (ففي وطننا العربي دقة المواعيد على رأس سلم أولوياتنا). أما بالنسبة للسيارات التي باتت من ضروريات حياتنا، فسيتغير التفكير في اقتنائها إذا ما استمر انخفاض سعر صرف الدولار، فمن اعتاد قيادة السيارات الأوروبية أو اليابانية سيغير من أسلوب حياته ويتأقلم مع السيارات الأميركية أو غيرها من العلامات التجارية المنخفضة الثمن.
أما تقلبات أسعار النفط فلها التأثير الأكبر على نمط حياتنا، حيث تؤثر على جميع المواد الغذائية فمع ارتفاع أسعار الوقود ترتفع تكلفة العيش مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب ارتفاع تكلفة تشغيل الآلات الزراعية وتكلفة نقل المواد الغذائية، وسترتفع أسعار جميع المنتجات الاستهلاكية التي تعتمد على مشتقات النفط في صناعتها، كما ترتفع تكلفة تشغيل محركات خطوط إنتاج جميع المصانع المحلية والعالمية.
إذاً، يتنوع غذاؤنا نحن ذوي الدخل المحدود وتتبدل أساليب وطرق عيشنا بحسب سعر النفط، فإن انخفضت أسعاره يكون غذاؤنا صحياً ومتنوعاً، وقدرتنا الشرائية مرتفعة وسياراتنا جديدة ونظيفة وبيوتنا قريبة من أماكن عملنا ونقضي وقتاً أطول مع عائلاتنا، ونجد الوقت لممارسة هواياتنا، وأثاث بيوتنا يتبدل مع انتهاء عمره الافتراضي، ويزداد اهتمامنا بالعطور والبخور، ومساعدة المحتاجين والعطف على المساكين، ونقيم الولائم وندعو الأقرباء والأصدقاء وتتوطد علاقاتنا الاجتماعية، وتكثر إجازاتنا الخارجية وننمي اهتماماتنا بالآثار وثقافات الشعوب، وقراءة الكتب الثقافية والروايات.
وإذا ما ارتفعت أسعار النفط تبدأ رحلة التقشف في الأنفاق والتأقلم مع ارتفاع الأسعار وحذف الكثير من النشاطات الترفيهية والاجتماعية. وهنا لا بد أن نشير إلى أن تأثير التقلبات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار النفط على حياة الأفراد اليومية تختلف بين بلد وآخر، ففي دول مجلس التعاون الخليجي مثلاً يتأثر ذوو الدخل المحدود لكن يبقى التأثير أقل بكثير مقارنة مع نظرائهم في الدول المجاورة، حيث إن دخلهم يبقى مرتفعاً.