صمدت أسواق المال العالمية أمام مفاوضات الديون الأميركية خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو الماضي وكان أداؤها متذبذباً، لكن المستثمرين كانوا متأهبين لتراجع حاد إذا ما فشلت الولايات المتحدة برفع سقف ديونها البالغ 14.3 تريليون دولار.

 وراح بعض الخبراء الاقتصاديين الذين يدعون ضلوعهم في دراسة الوقائع وفهم المؤشرات برسم سيناريوهات مظلمة للاقتصاد العالمي، ووصلت هذه التكهنات عند البعض إلى إمكانية انهيار الدولار وتقسيم الولايات المتحدة إلى مقاطعات فقيرة وأخرى غنية، وسبب التقسيم برأيهم هو أن الولايات المتحدة لن تتمكن من دعم اقتصاد وتقديم المعونات الاجتماعية لبعض الولايات الفقيرة.

إذا كل هذه التوقعات وغيرها من السيناريوهات السلبية التي رسمها بعض المحللين الاقتصاديين وهم بعيدون كل البعد عن مهنتهم، ساهمت بنشر الذعر ووضعت المستثمرين في حالة تأهب لسحب رؤوس أموالهم في حال فشلت الولايات المتحدة في حل أزمة ديونها.

وجاء إعلان باراك أوباما للتوصل لاتفاق مع الدائنين بمثابة صفعة للمحللين المضللين خاصة أن التوصل للاتفاق جاء قبل الموعد المحدد وهو الثالث من أغسطس 2011.

وأنقذ اتفاق رفع سقف الدين أسواق المال العالمية من تراجعات حادة، على الرغم من تخللها لبعض الخسائر في ظل تلك الأوضاع، وعلى الرغم من اجتياز المرحلة بسلام، إلا أن نفسية المستثمرين بقيت محملة بشحنات سلبية، سببها طبعاً المحللون الذين كانوا يترقبون تراجعات كبيرة في أسواق الأسهم لمآرب شخصية وهي الشراء والتربح فهم وأسيادهم يعيشون على مصائب المستثمرين.

وبعد اجتياز المرحلة بسلام بقيت آثار الشحنات السلبية تغيم على أسواق الأسهم العالمية التي باتت أشبه ببعير حمل أضعاف طاقته لكنه ما زال يمشي ببطء وهو يفكر بإنزال بعض الأحمال للسير صعوداً، لكن ستاندر اند بورز وهي وكالة التصنيف الائتماني كانت بالمرصاد، ووضعت القشة التي قسمت ظهر البعير، بعد خفضها لتصنيف الديون السيادية للولايات المتحدة الأميركية.

وبدأ مسلسل تراجع أسواق المال من السعودية يوم السبت فسوقها الوحيد الذي يعمل، بينما باقي الأسواق كانت متوقفة بسبب الإجازة الأسبوعية، وفي اليوم التالي تراجعت جميع الأسواق الخليجية وخسر سوقا الأسهم في الإمارات ما يزيد على عشرة مليارات درهم. وفي يوم الاثنين ومع افتتاح باقي الأسواق العالمية توسعت رقعة تداعيات قشة ستاندر اند بورز لتشمل جميع الأسواق وتكبدها خسائر كبيرة.

وهنا لا بد أن نقف للحظة لنقيم الدرجة الواحدة التي خفضتها وكالة التصنيف، وما تأثيرها على الاقتصاد الأميركي. وبعد التفكير واستبعاد نظرية المؤامرة، نجد أن أميركا وبعد خفض تصنيف ديونها لا تزال صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم وأن الدولار لا يزال قوياً، وأن الولايات المتحدة لا تزال تمتلك أكبر احتياطي ذهب في العالم، والذي يقدر بثمانية ملايين طن ومن بعدها تأتي ألمانيا التي تمتلك ثلاثة ملايين طن، واقتصادها يعتبر القوي في أوروبا.

قد يقول البعض أني مداح للاقتصاد الأميركي، وهذا غير صحيح، لأن ما سبق مبني على معطيات ومؤشرات اقتصادية تظهر أن الاقتصاد الأميركي قوي بل وقوي جداً، وسبب كتابة هذا المقال ليس لمديح الاقتصاد الأميركي ولا لزم ستاندر اند بورز، لكن لنعطي الأمور حجمها الحقيقي، ولا ننجر وراء الشائعات والتحليلات المضللة، حيث ان تأثير بيانات البطالة الأميركية التي صدرت الأسبوع الماضي وتأثيره على تراجع الأسواق مبرر، لكن ردة فعل أسواق المال العربية والعالمية وتراجعها الكبير على خفض التصنيف درجة واحدة، كانت ردة فعل مضاعفة بكل تأكيد، ولو كان هنالك المزيد من الوعي الاستثماري العالمي، لما تراجعت الأسواق بهذه الحدة.