تعد الإجراءات التي اتخذتها حكومة الإمارات بمثابة جرعة مضادات حيوية لجسد الدولة الاقتصادي، وردود فعل سريعة للخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتميزت تلك «المضادات» بأنها تعمل كلقاحات ضد فيروس الأزمات المالية العالمية المستقبلية.
وأبرز خصائص المضادات الحيوية الحكومية أن مكوناتها الفعالة اجتمعت وطبقت بزمن قياسي، بعد خضوعها لدراسات وتحاليل صارمة تضمن كفاءتها وفعاليتها للتخلص من فيروس الأزمة، وأكبر دليل على كفاءة المضادات صور التعافي السريع لاقتصاد الدولة من انعكاسات الأزمة المالية العالمية، واستعادة قوته وعودة الشركات المحلية إلى الربحية بأقل من سنتين، بينما لا تزال اقتصادات كبرى تعاني من تداعيات هذه الأزمة.
وجاءت وفرة السيولة في مصارف الدولة كدليل على التعافي، فإحصائيات مصرف الإمارات المركزي تتحدث عن ارتفاع الودائع خلال شهر يونيو الماضي إلى 1.126 تريليون درهم وبزيادة نسبتها 0.2% حيث إن البنوك ما زالت تسجل ارتفاعاً في حجم الودائع منذ بداية العام، إذ ارتفعت من 1.050 تريليون درهم نهاية العام الماضي إلى 1.126 تريليون درهم في نهاية شهر يونيو، وتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبوظبي في 2010 جميع التوقعات المحلية والعالمية حيث بلغ 620.2 مليار درهم بنمو 15.9 % ليؤكد عودة المياه إلى ما كانت قبل العام 2008.
وبحسب المركز الوطني للإحصاء الذي أطلق الثلاثاء الماضي الكتاب السنوي لإمارة أبوظبي 2011 فإن مرونة اقتصاد الإمارة والفوائض المالية الضخمة التي يتمتع بها، والنمو الكبير الذي حققته القطاعات والأنشطة الاقتصادية غير النفطية وارتفاع أسعار النفط أسهمت جميعها في إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد المحلي وساعدت على تجاوز تداعيات الأزمة.
ومن واقع البيانات التي تضمنها الكتاب فإن مساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة أبوظبي عام 2010 بلغت نحو 49.7% فقط رغم الارتفاع الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال العام نفسه.
وفي مؤشر على تعافي القطاع التجاري سجل إجمالي حجم مناولة الحاويات موانئ دبي العالمية 26.2 مليون حاوية نمطية في النصف الأول من العام بزيادة 11 %عن نفس الفترة من العام الماضي وهذا النمو سيؤدي إلى تحسن كبير في أرباح النصف الأول.
وفي إشارة إلى استمرار جذب الإمارات لرؤوس الأموال وتدفق الشركات العالمية للعمل في أسواق الدولة، بينت نتائج مركز دبي المالي العالمي انضمام 64 شركة في الأشهر الستة الأولى من 2011 إلى المركز، ليرتفع صافي العدد الإجمالي للشركات المسجلة النشطة التي تعمل في مركز دبي المالي العالمي إلى 813 شركة من جميع أنحاء العالم.
ولعل القطاع العقاري مرآة عاكسة لصور التعافي فقد تجاوزت التصرفات العقارية الموثقة في سجلات دبي سقف 55 مليار درهم خلال النصف الأول من عام 2011 الجاري. وهي قطعاً نتائج تجسد مدى ثقة المستثمرين بدبي وتبعث برسالة اطمئنان على حاضر ومستقبل صناعة العقار في الإمارة. وتدل أرباح شركات ومصارف الإمارات على بدأ مرحلة النمو .
ومن هذه الشركات بنك الإمارات دبي الوطني حيث بلغ صافي أرباحه 2.2 مليار درهم، بارتفاع 43% مقارنة بالنصف الأول من عام 2010، بينما تجاوزت الأرباح النصفية لشركة إعمار العقارية 800 مليون درهم في مؤشر على تعافي السوق العقاري.
وإن لم تقنع جميع هذه المؤشرات الايجابية المحللين الاقتصاديين ذوي النظرة المتشائمة، أن اقتصاد الدولة تجاوز الأزمة، وبدأ مرحلة النمو، وإن لم يعجبهم مصطلح المضاد الحيوي وفكرة لقاح الأزمات الاقتصادية فلينتظروا نتائج الربع الثالث التي تحمل المزيد من أرقام النمو.
ونقول للمتشائمين أيضاً أن المستقبل القريب سيؤكد متانة اقتصاد الإمارات مرة أخرى، عندما يقف قوياً في وجه انعكاسات أزمة الديون السيادية الأميركية المحتملة، والتي ستبدأ تداعياتها ما بعد يوم الثلاثاء المقبل، أي بعد الاجتماع الذي سيعقده الرئيس الأميركي لحل هذه الأزمة، وإن تمكن من تفاديها والتوصل إلى حلول مع الدائنين، فكل أزمة وأنتم بخير.