القطط وأضرار الغذاء الصيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

«العالم بحاجة إلى البضائع الصينية حتى لو كانت رديئة»، هذا ما قاله أحد خبراء السوق. وهناك نكتة فكاهية أن الولايات المتحدة أصدرت كتاباً تفضح فيه السرقات الصينية، فعندما لاحظت بعض شركات الطباعة والنشر الصينية أن هذا الكتاب يحقق أرقاماً قياسية في المبيعات، قامت بتزييف طباعة هذا الكتاب من أجل الحصول على الأرباح. وكما العالم بحاجة إلى بلد ماوتسي تونغ، فإن هذا البلد لا يستطيع العيش بدون صادراته إلى العالم. وبدونه، يتحوّل العملاق الصيني إلى قزم صغير، ضائع في أرض واسعة.

كان العالم يغض الطرف عن عدم جودة الصناعة الصينية لصالح أسعارها الزهيدة، لكن هذه النظرة سرعان ما تغيرت عندما بدأت الصين بتصنيع الأغذية، مما حدا بدول كثيرة أن تضغط على جرس الإنذار في كل مكان، بحيث لم يجد شركاء بكين حلا سوى تشديد رقابتهم على المنتجات الصينية. فتصاعدت حدة النقاشات عندما اكتشفت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أن الصينيين يستخدمون مادة «دايثيلين غلايكول» في صناعة معجون الأسنان، وهي مادة خطرة تستخدم في المواد المضادة للتجمّد، فقررت حينها مصادرة كمياتها المقلدة أو السامة.

إن نوعية المنتجات الصينية تثير الكثير من اللغط والقلق والتساؤلات ليس في الولايات المتحدة بل حتى عند أقرب شركائها التجاريين. وبدأت المشكلة عندما اكتشفت «هيئة الغذاء والمخدرات» الأميركية (إف. دي. آي) التي تقوم بمهمة مراقبة الأغذية والأدوية القادمة إليها، بأن «غلوتين القمح» المستورد من الصين سمّم الأغذية الصناعية للحيوانات، خاصة ما تعرضت له القطط الأميركية، التي كشفت الخلل في صناعة الأغذية الصينية. ومنذ ذلك الحين، تم اكتشاف المنتجات المسمومة الأخرى أو ذات الصلاحية النافذة: من إطارات السيارات إلى ألعاب الأطفال البلاستيكية، مرورا بمعجون الأسنان وثمار البحر. وكذلك اكتشاف مواد صيدلية ممنوعة في علب الأسماك المستخدمة كأغذية للقطط؛ ولهذا قررت الولايات المتحدة منع استيرادها.

ولهذا الغرض، أسس الاتحاد الأوروبي نظاما إلكترونيا للإنذار السريع من أجل تحديد المخاطر حول الواردات الخطيرة القادمة من الصين، بحيث يسمح هذا النظام للسلطات الجمركية أن تعلن على الفور عن المواد المشكوك فيها لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وليس هذا الأمر بالجديد، فقد أثارت منتجات الأغذية المصنعة في الصين الشكوك في هونغ كونغ التي عرفت مشكلات صحية جاءتها من الجانب الآخر من الحدود، واضطرت بعض محلاتها أن تستحدث أنظمة محلية للكشف عن الخضروات الطازجة القادمة من الصين، وتفريقها عن الخضروات الفاسدة.

الحكايات عن المواد المصنعة في الصين كثيرة، تتناقلها الألسن والميديا، وتختلط بها الحقائق والأوهام والايدولوجيا والدعاية والسياسة والاقتصاد، والتفريق بين الحقيقة والزيف يجب أن يتم عبر وسائل علمية وموضوعية، لا تسيء لأحد. يبقى أن إصرار الصين على عدم استخدام المعايير الدولية المتعارف عليها في الصناعة الغذائية يشكل خطراً جسيماً على الجميع، أما عدم استخدامها في صناعات أخرى فهو أقل ضرراً ولو أنه يسيء إلى صورة ماركة(صنع في الصين)، فهو أقل فداحة عندما لا يؤثر على حياة الناس. ولا يقتصر هذا الخطر على بلد دون سواه؛ لأن الصين مثل الشبكة العنكبوتية التي تلف الكرة الأرضية بسهولها وجبالها ووديانها وبحارها؛ لأنها بحاجة إلى بضائعها، حتى لو كانت فاسدة. إن التصنيع التجاري للأغذية جعلها أقل سعراً ولكن أكثر ضرراً لأن الناس كلهم يطالبون بالأسعار الرخيصة، وهذه هي أضرارها. ومادامت الصين مصنع العالم، يصدق قول سيدة أميركية في هذا الصدد: بماذا تنفعنا الصناعة الأميركية، وهي غير قادرة على صنع احتياجاتنا اليومية الصغيرة مثل ألعاب الأطفال، وأوراق تغليف الهدايا، وأبر الخياطة، وزهور الزينة، والصحون المنقوشة، وهدايا عيد الميلاد، وغيرها؟!

Email