الرفاهية الالكترونية.. هل تتحوّل إلى كابوس؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما نشر الكاتب البريطاني جورج أرويل روايته الشهيرة «‬1984» قبل أكثر من أربعين عاما، التي تقول بأن العالم سيصبح مُراقباً بالكاميرات، أعتبرها النقاد نوعا من الفانتازيا الخيالية إلا أن الواقع أثبت صحة هذا التنبؤ، فبريطانيا هي الدولة الأولى عالمياً في استخدام كاميرات المراقبة حيث تنتشر فيها أكثر من ‬4 ملايين كاميرا، تكلف مليارات الجنيهات الإسترلينية، لمراقبة شوارعها وأحيائها ومحلاتها وأنفاق مواصلاتها مما دفع بأحد نشطاء حقوق الإنسان ليقول «إنهم يتجسسون علينا».

كل شيء مراقب، ليس فقط محلات المجوهرات مراقبة بالكاميرات.. والآن تهّز لنا الرفاهية الإلكترونية بشرى جديدة وهي «مراقبة منازلنا بالهاتف النقال»..

هذه الخدمة ستولد سيناريوهات جديدة لم نعهدها ستأخذ طريقها إلى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية حيث تكثر المقالب بين الأزواج. فسنرى الحوار التالي في فيلم السهرة العائلية. أين أنت يا حبيبي؟ الزوج مجيبا زوجته «في البيت يا حبيبتي». هل أنت متأكد؟ أجل. لكني لا أراك في المنزل، فها أنا أدور بالكاميرا ولا أرى أحداً، هل أصبحت فأرا يختفي في الماسور؟

إنني في غرفة مظلمة! لا يدرك الزوج بأن الهاتف المتحرك لزوجته قادر على الرؤية حتى في الظلام. الزوجان لم يهنآ في الحفلة الموسيقية. عريف الحفل «أغلقوا هواتفكم المتحركة». وسرعان ما شرد ذهن الزوجة إلى منزلها، فهمهمت الزوجة قائلة لزوجها «حبيبي هل راقبت المنزل»؟ أجل يا حبيبتي «كل شيء على ما يرام».. لم تستطع الزوجة مقاومة الصمت، فخرجت من الحفلة لكي تتصل وتطمئن على المنزل. فصرخت وهي تردد «الخادمة الملعونة تتفرج على التلفزيون». وفي وسط الحفلة همست في أذن زوجها «يجب تغيير الخادمة». هل راقبت المنزل؟ أجل.

لم يذق الزوجان طعم الموسيقى.. فالمنزل يلاحقهم في كل مكان..

هكذا وبفضل الرفاهية الإلكترونية، أصبح بإمكانك أن تراقب منزلك حتى لو كنت خارج بلدك.. فتكنولوجيا الاتصالات تقدم لك خدمة «عين كوم» للمراقبة المنزلية عبر الهاتف المتحرك.. ولكن يجب عليك تغيير هاتفك القديم واقتناء هاتف من الجيل الجديد الثالث.

قبل فترة، قدمت عائلة إماراتية شكوى على خادمة بنغالية كانت تضرب ابنها الصغير البالغ من العمر ثلاثة أعوام ولكن المحكمة أرادت منها إثباتا ودليلا.. فقامت العائلة بنصب كاميرات تسجيل فيديو في أركان المنزل للمراقبة واقتنصت الخادمة تضرب طفلها ضرباً مبرحاً.. فأمرت المحكمة آنذاك بطرد الخادمة وتسفيرها.

الآن لست بحاجة إلى نصب الكاميرات بنفسك فهاتفك المتحرك يقوم بهذه المهمة وبمكالمة عادية. بعض الأشخاص استخدموا (الكلب الالكتروني) لمراقبة المنزل، فهو الحارس الأكثر وفاء لا ينفع معه عظمة دسمة كما هو الحال مع الكلب الحقيقي ولا الرشوة أو البقشيش كما هو الحال مع الحارس، فالكلب الإلكتروني إذا رأى شيئا غير طبيعي يبعث برسالة الكترونية إلى أقرب مركز للشرطة في حالات السرقة والسطو والحريق. جميع المنازل ستصبح ذكية ولكنها مراقبة، إنها الرفاهية الالكترونية التي لم يكن يحلم بها الإنسان قبل عقد أو عقدين من الزمن.

كاميرات المراقبة المنزلية ستغزو أسواق العالم، فمن الطبيعي أن أيّ شخص يرغب برؤية ما يحدث في منزله أثناء غيابه.. وستتحول شاشات الهواتف المتحركة إلى شاشات تلفزيونية ومناظر منازلنا ستصبح أفلاماً بمجرد مكالمة بسيطة.

العالم كله أصبح الآن مراقباً.. رؤساء العمل في أميركا يراقبون أكثر من ثلث الموظفين الذين يستخدمون الإنترنت كما يراقبون ربع مستخدمي الإنترنت في العالم.. ‬14 مليون موظف في الولايات المتحدة مراقبون و‬27 مليون موظف مراقبون في العالم. منزلك تحت العين الالكترونية بالهاتف المتحرك. الرفاهية الالكترونية تلاحقك في العطلات والحفلات والسهرات، فهل كان الروائي جورج أرول على حق عندما قال ان الكاميرات ستغزو حتى غرف نومنا؟!

Email