‬6 دقائق مقابل ‬200 ساعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هالني أن أقرأ في التقرير العربي الثالث للتنمية الثقافية الصادر حديثاً عن مؤسسة الفكر العربي أن انخفاض نسبة القراءة بين العرب وصل إلى أدنى مستوياته في السنوات الأخيرة، وهنا يجري بين متوسط ساعات القراءة عند العربي والأوروبي «متوسط القراءة في الدول الأوروبية تصل إلى ‬200 ساعة سنوياً، بينما تنخفض إلى ‬6 دقائق سنوياً للفرد العربي». يا إلهي! أحفظوا هذه النسبة رجاء لقليل من الوقت، والتفكير معي عن أسبابها، على الرغم من أن المقارنة بين أوروبا وعالمنا العربي مجحفة أحياناً.

في الحقيقة، نحن نفقد عادة القراءة بل لا نعمل على تنميتها منذ سنوات الطفولة الأولى. الأب أو الأم يذهبان بابنهما إلى جميع الأماكن: الحديقة، السيرك، المول، صالة الألعاب، وغيرها من الأماكن فيما عدا المكتبات!

إن عدم قيام البيت والمدرسة بتوطيد علاقة الطفل والتلميذ بالكتاب، هي العلة الأولى، ناهيك عن أسباب أخرى، مثل تراجع التعليم باللغة العربية، وقضاء ساعات طويلة في الفرجة على برامج هابطة أو عابرة التأثير في التلفاز، وفي المقاهي وأماكن التسلية الأخرى. على فكرة إن مفهوم المقهى يختلف عند الغربيين، لأنهم في هذا المكان يعلمون أشياء مفيدة: كتابة الرسائل، القراءة، الأكل، التأليف: سارتر كتب معظم كتبه في المقهى! وليس الهيام في دخان النرجيلة واجترار الأحاديث.

لماذا لا يقتني العرب الكتاب؟ لماذا يريدون الحصول عليه مجاناً على الدوام؟ لماذا لا يروّج التلفاز والمذياع للكتب؟ لماذا يهرب «القارئ» العربي وراء كتب الإثارة؟ لماذا يتصفح الجرائد ولا يقرأ سوى العناوين ويلقي بالملاحق الثقافية جانباً؟ لماذا لا يستخدم الكتاب كهدية؟ هل جرّبت أن تهدي زوجتك كتاباً؟ أم تخشى أن ترميه في وجهك؟ (الفكاهة تخفّف من الألم).

لا أريد أن أقدم دراسة سوسيولوجية لهذه الظاهرة لأنها تحتاج إلى صفحات، بل أريد التركيز على ما تورده مؤسسة الفكر العربي، وهي تدق ناقوس الخطر، إذا كان العرب يعتبرون عدم القراءة خطراً عليهم. ومن جملة ما تركز عليه، هو أمراض القراءة، التعامل السطحي والمتسرع مع النصّ، وهو تعامل يسود في وسائل الإعلام على وجه الخصوص، فالقراءة تحتاج إلى إنصاف ووجدان وعقل ومنطق وحب للكلمة.

في الغرب، يعالجون مسألة عدم الإقبال على القراءة عند بعض فئات المجتمع من خلال إيصال المعرفة عن طريق آخر، وهو التلفزيون الثقافي، على سبيل المثال قناة «آرتي» الفرنسية الألمانية المشتركة، تقدم الثقافة على مدى النهار والليل من خلال تحقيقات ثقافية تعّوض عن القراءة ولو أن لا شيء يعوّضها. بينما لا توجد لدينا قناة ثقافية واحدة بهذا المعنى! وهذا لا يعني أن عالمنا العربي جامد لهذه الدرجة، فهناك مبادرات، كما يوردها التقرير السابق الذكر، مثل: مشروع مكتبة الأسرة في مصر، ومهرجان تبادل الكتب في القاهرة والإسكندرية «لا تسجن معرفتك وبادل كتبك»، ومبادرة الكتاب العابر في الإمارات، ومشروع كتاب في جريدة، وغيرها من المشاريع والمبادرات لدغدغة مشاعر «القارئ» العربي والتغلب على عزوفه عن القراءة، ومحاولة جرّه إلى لعبة القراءة، «غير المسلية» بالنسبة له.

القارئ العربي مقصر، بلا أدنى شك، كما تعترف مؤسسة الفكر العربي، لكن تبرير ذلك بمعّوقات الحياة العربية ليس منطقياً. فالعربي ينفق الكثير على شرابه وملبسه وسيارته وسيجارته بينما لا توجد له ميزانية لشراء الكتب.

في النهاية، نعود إلى نسبة ساعات القراءة، وحاولت أن أقسّم الـ ‬6 دقائق على مدار السنة، فلم أفلح بعقلي الرياضي، فاستعنت بالكمبيوتر والحاسبة الالكترونية، فأخفقا في الحساب أيضاً، فلم تجدا حتى أجزاء الثانية، أصغر وحدة زمنية. ففي مثل هذه الحالة نحتاج إلى تقسيم جديد للوقت العربي أصغر من الثانية: ربما اللحظة، البرهة، البارقة.. من أجل حساب زمن القراءة عندنا. وهنا نقدم إبداعاً جديداً لم يسبقنا فيه أحد، أي استحداث وحدة زمنية جديدة لقياس ساعات القراءة عندنا. أليس كذلك؟!

Email