أباطرة المخدرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

التكنولوجيا الصناعية الجديدة، والتقدم العلمي عادة لا تندفع إلى بؤر الصراعات. طبعا باستثناء صناعة التكنولوجيات العسكرية، ولكن في أفغانستان يوجد ميدان صناعي واحد لم يتأثر بالصراعات الموجودة بل بالعكس ازداد تطورا. والكلام يدور عن صناعة المخدرات. حيث تحولت أفغانستان من مورد للمخدرات الخام إلى أكبر منتج لها في العالم. جرت في أفغانستان ثورة خاصة في عالم الهيروين وهي الثانية على التوالي فقد بدأت الأولى في تسعينات القرن الماضي عندما كانت العاصمة كابل تعمل بشكل علني من خلال مصانع صغيرة لإنتاج الهيروين وقبل ذلك الوقت كان ينتج الهيروين ولكن بكميات قليلة جدا. في تسعينات القرن العشرين كان تجار المخدرات ينقلونها خارج حدود أفغانستان لبيعها على شكل أفيون بكميات كبيرة تصل إلى مئات الكيلوغرامات. أما بعد ظهور المختبرات أصبحت المهمة أسهل والتكاليف أقل لشحنات التصدير، هذه هي ثورة الهيروين. طبعا لم يكن لها أن تتم لولا توريد المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع المواد الخام. وكقاعدة عامة، كما يقول الخبراء، فإن هذه المواد الكيميائية تصل إلى كابل من الشركاء المحليين في القارة العجوز، أباطرة المخدرات الأفغانية أنفسهم. يذكر أن أول من قضى على ثورة الهيروين هي حركة طالبان. وهنا يمكن التجادل حول أسباب إقدامهم على ذلك، وإلى أي مدى سُجل النجاح في القضاء على ثورة الهيروين، ولكن بجميع الأحوال تم إغلاق جميع المصانع الصغيرة لإنتاج الهيروين ولم يعاد تشغيلها إلا بعد الإطاحة بطالبان.

لقد مضى على تاريخ الهيروين الأفغاني الذي يضرب بجذوره، إلى سبعينات القرن العشرين نحو ‬40 عاما. وهذا يجب أن يأخذه بعين الاعتبار كل الذين يسعون لإنهاء حالة المخدرات في أفغانستان أن أكبر نشاط في تاريخ الهيروين بدأ بعد ‬2001 وبالتحديد بعد بدء الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد طالبان وشبكة القاعدة، حيث ازدادت كميات المخدرات المزروعة والمصنعة بعشرات الأضعاف، بحيث أن الوضع قد ذهب بعيدا حتى أصبح من الصعب على العمليات المنفصلة أن توقف الاتجار غير المشروع بالمخدرات. والواقع يفرض وضع استراتيجية عالمية للتغلب على موجة الهيروين وان تقطع إمدادات المواد الكيميائية لإنتاج الهيروين عن أفغانستان. وهذا ما لا يهتم به احد على الرغم من أهمية ذلك في مكافحة المخدرات. ولذلك بدون التعاون الدولي سيكون من الصعب حل هذه المشكلة وبدون التعاون مع الأوروبيين سيكون العمل في هذا المجال صعبا، خصوصا وان المواد الكيميائية لصناعة الهيروين تأتي من الغرب.

وينبغي أن يكون التصدي ليس فقط من خلال أساليب الشرطة، بل وبالعمل على إنعاش الاقتصاد الأفغاني وبالدرجة الأولى كهربة البلاد وبناء المحطات الكهرومائية. وتوفير فرص العمل لصرف ملايين المزارعين الأفغان عن زراعة خشخاش الأفيون.

من المعروف أن محاصيل حقول الخشخاش الواسعة في أفغانستان تشكل ‬59٪ من الهيروين في العالم. منذ ان دخلت القوات الأميركية والنيتو أفغانستان في عام ‬2001، ازداد انتاج المخدرات مرتين ونصف ومن هناك اخذ ينتقل الافيون والهيروين إلى أوروبا وروسيا، ليجلب الموت لـ ‬100 ألف شخص في العالم سنويا.

بينما هذه الدولة الواقعة في وسط آسيا غارقة في الأفيون ويدمن فيها على المخدرات مليون ونصف من أصل ‬30 مليونا عدد سكان أفغانستان. وفي ظل هذا السياق تترك قوات التحالف مسالة تدمير زراعة الخشخاش على عاتق الحكومة الأفغانية على الرغم من أنه واضحا أنها وحدها لا تستطيع. والمسألة الأكثر أهمية هي مكافحة التهريب فليس المزارعون الأفغان هم الذين ينقلون المخدرات إلى عواصم الدول الأخرى، بل من خلال أقنية دولية، وباختصار، إذا تغير التعامل الدولي في الوقت العاجل مع إنتاج المخدرات في أفغانستان وبدا تطبيق الخطط لمكافحة الموت الأبيض فيمكن القول ان حل هذه المشكلة بشكل عام قد يتم في الأعوام القليلة القادمة.

Email