جاسوس عزبة مكاوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حدائق القبة واحدة من أرقى أحياء القاهرة، وفيها أقدم ستوديوهات التصوير السينمائي «استوديو جلال»، ومقر لقصر القبة الشهير الذي يعد أكبر القصور في مصر، بناه الخديوي إسماعيل، وتحول بعد ثورة ‬23 يوليو ‬1952 المجيدة، إلى بيت لضيوف الجمهورية الأجانب.

وفي داخل هذا الحي الراقي الذي كان سكنا للاقطاعيين (الباشاوات) والسياسيين في العهد الملكي، توجد عزبة مكاوي، نسبة إلى شخص مغمور يدعى مكاوي، أسسها قبل ‬70 سنة، ولا يعرف عن أصله وفصله أي شيء. وتعد هذه العزبة العشوائية، واحدة من بؤر الفقر والجهل المنتشرة في جيوب العاصمة العربية الكبرى. ازدادت شهرتها بعد اعتقال أحد سكانها المدعو طارق عبد الرزاق، حيث اعلنت السلطات المصرية في ‬20 الجاري عن اعتقاله بتهمة التجسس لإسرائيل، فيما وجهت اتهامات تهديد الأمن القومي إلى اثنين من الموساد الفارين «إيدى موشيه»، و«جوزيف ديمور». وتكشف التحقيقات أن المتهم طارق مدرب «الكونغ فو»، سافر إلى الصين للبحث عن عمل، حيث بادر من تلقاء نفسه بداية ‬2007، بإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني للموساد دوّن فيها بياناته ورقم هاتفه. وفى أغسطس ‬2007 تلقى اتصالاً من ديمور، والتقيا في السفارة الإسرائيلية في الهند، حيث تم استجوابه عن أسباب طلبه للعمل مع الموساد ثم تسلم ‬1500 دولار. وتعرف طارق لاحقا على «إيدى موشيه» الذى تولى تدريبه على إنشاء عناوين بريد إلكترونى، وسلمه جهاز «لاب توب» مجهزاً ببرنامج مشفر يستخدم كأداة للتخابر، كما تسلم حقيبة يد للحاسب الآلي تحتوي على وسيلة إخفاء متطورة وجهاز محمول فيه شريحة لشركة في هونغ كونغ.

وأمد الموساد طارق بـ‬5 آلاف دولار لإنشاء شركة استيراد وتصدير وهمية في الصين، وأعطاه راتب ‬800 دولار شهريا، وكلفه بإنشاء بريد إلكترونى باسم «خالد شريف»، والبحث عن أشخاص من داخل سوريا ولبنان، يعملون في تصدير زيت الزيتون والحلويات لانتقاء من يصلح منهم للتعاون مع الموساد.

وسافر طارق عدة مرات إلى سوريا باسم «طاهر حسن» للوقوف على الإجراءات الأمنية في مطار دمشق الدولي، وتردد أن ضابطا في الموساد يدعى أبو فادي أبلغ طارق بأن له صديقاً في سوريا يعمل في أحد الأماكن الحساسة، وأن طارق التقى هذا الشخص المجهول وحصل منه على معلومات هامة.

وأثناء سفره إلى الصين ضبط طارق في مطار القاهرة بداية أغسطس الماضي، بعد متابعة لم تكشف أسرارها وتفاصيلها، وبحوزته الـ«لاب توب» والحقيبة العجيبة التي لا يكشفها جهاز المسح الالكتروني في المطارات، وتم إثبات التهم ضده بعد تفريغ بريده الالكتروني والاطلاع على مراسلاته مع موشيه.

تبين هذه الواقعة المثيرة، أن الموساد في أواخر عهد مائير داغان وخلفه الحالي تامير باردو، باتت تركز أكثر على التجسس الالكتروني واستخدام تقنيات معقدة، بهدف اختراق شبكات الاتصال العربية والتنصت على مكالمات الهاتف المحمول لكبار المسؤولين وأصحاب القرار، وليس فقط حزب الله وحماس.

ورغم أن طارق ليس أكثر من شخصية ساذجة في هذه القصة، إلا أن تطوعه للموساد يدق ناقوص الخطر في اتجاهين، الأول أن أفرادا من المجتمع العربي عموما وتحت فجيعة الفقر وخطيئة تشويه الهوية والانتماء، والالتباس بين العدو الحقيقي وبين الترهل العربي العام، يمكن أن يتطوعوا لخدمة إسرائيل. والاتجاه الثاني أن السلام المصري الاسرائيلي كذبة كبرى، رغم مرور ‬30 عاما، مع تكرار محاولات إسرائيل زرع جواسيس في مصر. وهنا لا بد من الاشادة بيقظة واحترافية أجهزة الأمن المصرية وتعاونها مع الأمن السوري، دون إغفال ضرورة أن لا تنتهي القضية بمجرد إصدار حكم قضائي ضد طارق فقط.. والسلام.

Email