الإمارات الملهمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كسب اتحاد الإمارات الرهان بتثبيت أركانه، فخالف أغلب توقعات المكتوين بجمر فشل التجارب الوحدوية العربية الحديثة، وفرض حقيقة جديدة على الأرض العربية اسمها دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت تلك بداية التقدم إلى المركز الأول. أول تجربة وحدوية عربية، تتمخض عنها دولة فتية، تتقدمها قيادة تاريخية، أحسنت قراءة التاريخ، وأتقنت فهم الجغرافيا، وتلمست آمال العرب وفهمت مبتغاهم، وجعلت من التحديات أبواب فرص، فصار الحلم العربي حقيقة ماثلة في زاوية من جزيرة العرب، أصل العروبة ومنبع الإسلام.


وعندما ترسخت الأقدام، بصفاء نوايا الرجال العظام، تفرع الحلم إلى قائمة لا حصر لها من الأحلام؛ فلم تسع فكرة إنجاز الاتحاد طموحات أصحاب الرؤى الثاقبة والنفوس والطامحة والإرادات الجامحة. قيادة تحسست الأوجاع في الجسد العربي الذي تكالب عليه الأكلة من كل مكان فأرادت أن يكون في القصة فصول آتية ممتدة بحجم امتداد الحلم العربي، بأن تقوم للعرب قائمة وإن طال المسير. فلم تستغرق الحال زمناً طويلاً بين طلب الاعتراف بالدولة الوليدة وبين الجلوس في مقاعد الصف الأول في المشهد العربي العام. فما بين عامي 1971 و1973؛ سنتان كان لدولة الإمارات فيهما حضور لافت سجله القائد زايد، رحمه الله، من خلال موقفه الشهير بقطع النفط عن الدول المساندة للكيان الإسرائيلي في حرب أكتوبر.


ولم يكن ذلك كافياً، فحجز المقاعد الأولى يتطلب تقدماً مستمراً لا تغادره الحكمة ولا تغره النجاحات. والتفوق السياسي يحتاج إلى دعامات اقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية تسير في خطوط متوازية وبحركة مدروسة لتجعل للكيان الوحدوي الناجح أذرعاً وأدوات ترسخ أركانه وتوسع آفاق حضوره. وقد كان الإنسان هو محور كل تلك الدعامات. فتقدمت دولة الإمارات الصفوف في المجال الاقتصادي لتشكل ثاني قوة اقتصادية عربية في غضون سنوات. وتقدمت على الصعيد الاجتماعي فنجحت في تكوين نسيج اجتماعي وطني متجانس ومتسامح مع كل من يجعل من الإمارات واستقرارها وتقدمها أحد اهتماماته وأهدافه. وحققت إنجازات تعليمية فتحت آفاق طموحات مواطنيها لبلوغ المريخ. وصارت حاضنة ثقافية وحضارية تجاوزت المحيط إلى العالمية.


واليوم تقف دولة الإمارات العربية المتحدة في مقعد الدولة العربية النموذج؛ نموذج على كل الصعد، القيادية والسياسية والعسكرية والتنموية والعلمية والخدمية، تتمنى العديد من الشعوب العربية وغير العربية الاحتذاء به. وخلف كل هذه الإنجازات فكر وجهد وسهر وعمل يتطلب العض عليه بالنواجذ لتستمر دولة الإمارات تمضي بخطواتها الثابتة لتكون مع شقيقاتها قوة عربية وإقليمية فاعلة تعيد القطار العربي إلى سكته الصحيحة.

Email