الماء.. ومفهوم حفظ النعمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن دولة فقيرة في مواردها المائية، ولكننا نتصرف بترف يجعلنا نهدر يومياً أضعاف ما تختزنه آبارنا الجوفية. فبينما تؤكد الإحصائيات أن دولة الإمارات من أقل الدول من حيث نصيب الفرد من المياه في العالم، فإن الإحصائيات تعود لتؤكد أن متوسط استهلاك الفرد من المياه في الدولة يفوق المعدل العالمي بنسبة 200%، حسب الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء.

تسعى الجهات الاتحادية والمحلية المعنية بالطاقة لمكافحة هذا الهدر بوسائل مختلفة، ولكنها لا تزال تعجز عن كبح جماح هذا الهدر المنفلت للمياه. تضاعفت الفواتير، فكثرت الشكوى، ولم يقل الهدر. وزادت حملات التوعية والتوصية، فزاد تداول الناس لمقاطع الفيديو ومواعظ الحث على الترشيد، وما زاد الترشيد، ولم يقل انفلات الصنابير.

مفارقة لا تدانيها إلا مفارقة حاويات النفايات، أعزكم الله، التي كلما زادت الشكوى من غلاء المواد الغذائية زاد تضخمها وفاضت الأكياس من أفواهها. والقاسم المشترك بين الحالتين ثقافة فارق فيها القناعات السلوك، وتضاربت فيها الأقوال مع الأفعال، فصرنا كمن يعرف الخطأ ويفعله، ومن يحس بالألم ويطلبه. وفي الوسط من كل هذه تكون اللامبالاة واللامسئولية هي الموجه لسلوكنا تجاه بيئتنا وثرواتنا.

في زمن ما قبل الرفاه وارتفاع معدل التعليم وزيادة عدد المتعلمين كان التعلق بالبيئة أكبر، وكان الحرص على الحفاظ على مقدرات هذه البيئة أكثر. لم تكن الحال بحاجة إلى محاضرات، ونداءات، والصرف كثيراً على الحملات، ولا كان الحل يُرى في رفع التعرفة ومضاعفة الفواتير. بدل كل ذلك كانت عبارة «حفظ النعمة» قناعة وعقيدة ولم تكن قولاً وشعاراً. وكان مفهوم النعمة ببساطة الفطرة يعني كل شيء من حولنا، وليس ما يفيض عن موائد الترف والإسراف في الأفراح والأحزان التي غالباً ما نتورط بفيضها اليوم مع كل مناسبة.

يبدو أن موضوع الهدر في استهلاك المياه خرج من أيدينا كأفراد وأرباب أسر، من يوم ما سلمناه، مثل أشياء أخرى مهمة في حياتنا، للخدم والسائقين، يطلقونه في المطابخ وتحت مظلات السيارات. ونفضنا أيدينا من الأبناء والبنات عندما صرنا لهم قدوات غير حسنة في حرق النعم بحجة التحدث بها، وهدر المياه بزعم النظافة.

نحن بحاجة لاسترجاع بساطة وتلقائية السابقين الأولين في تعريف النعمة، ومفهوم حفظها، دون تنطع، ولا تفلسف، ولا قول يدحضه عمل.

Email