من المجالس

المعلم هو أصل الحكاية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان المعلم هو الرقم الصعب في مسألة التعليم، فعلينا أن نبحث عن أرقام الشواهد التي تدل على وضع هذا المعلم وظيفياً واجتماعياً. فالكلام عن النقص في عدد المعلمين يكاد يكون عالمياً، ولكن مع ذلك فإن الجهود الجادة لسد هذا النقص لا تساوي الحراك الدائر حول توفير الكفاية في مجالات أخرى، وخاصة في المهن التطبيقية.

ولا شك إن تحقيق النهضة يشترط النهوض بكل المجالات وخاصة العلمية التطبيقية، ولبلادنا ريادة في محيطها الإقليمي والعربي في تغيير الصورة النمطية السائدة عن الزمن العربي الحاضر، والسعي لبلوغ المستقبل عبر إعداد طاقات بشرية وطنية مؤهلة تحمل على عاتقها إنجاز هدف الإمساك بحبل التقدم والمعرفة، والاعتماد على الذات في جميع المجالات حماية للاستقلال وتمكيناً للقرار الوطني. وفي إطار هذا الاهتمام الشامل يوضع المعلم في صلب المعادلة. فبقدر حاجتنا لمهندسين يبنون المصانع، وأطباء يشغلون المستشفيات، وعلماء يسهرون في المختبرات، نحن بحاجة إلى معلمين يقومون بمهمة إعداد وتجهيز كل أولئك ليكونوا كذلك، معلمون يجيدون فن صناعة البشر الذين ستناط إليهم مهمة صناعة الآلة.

وبقدر ما حققت دولة الإمارات من ريادة في مجالات شتى، وسجلت أرقاما مشهودة في مختلف الصعد، واستطاعت أن تقدم نموذجا، يشار إليه في الحديث عن النمو الاقتصادي والاجتماعي والخدمي، وإطلاق المبادرات الإنسانية والإدارية والخيرية المبهرة، فإنها قادرة على أن تقدم خبرتها الخاصة في تطوير التعليم، من خلال تطوير أساس بنائها، وهو المعلم الذي إن أجاد ازدهرت المدارس، وإن قصّر تدهورت مخرجاتها وإن كانت كالقصور المشيدة.

الحاجة لسد النقص في قطاع التدريس ليس كمّاً فقط. فأحياناً تكون العديد من الأرقام أصفاراً على الشمال. وربما يكون أمثال هؤلاء موجودين في كل القطاعات، ولكن في قطاع التعليم تصبح نسبة الفاقد من الطاقة العاملة غير مقبولة، لأن تداعياتها تكون خطيرة وتأثيراتها مدمرة. وإذا كنا بحاجة للمزيد من أبناء الوطن للعمل في مجال التدريس، فإن سد هذه الحاجة لن يكون مثمراً إذا لم نستطع إعداد المعلم المبدع والمتفاني والمحب لمهنه. وهذا يستدعي المزيد من النظر في حال المدرس ومهنة التدريس. النظر إلى موقع المدرس داخل بيئته المدرسية، وطبيعة العلاقة التي تربطه بالهيئات الإدارية داخل وخارج المدرسة. وفي هذا الكثير الذي يقال لو فتح للمعلمين فيه المجال.

التدريس مهنة لا يدخلها، وإن دخلها لا يثبت عليها ويبدع فيها إلا من يحبها. وكثير من الطاقات والخبرات المتميزة هجرت المهنة آسفة بعد أن وجدت نفسها تهبط على درجات السلم الاجتماعي، معنوياً ومادياً. ودون معالجة أسباب ذلك العزوف ستبقى الشكوى مزمنة من نقص في الكفاءة قبل العدد.

Email