الأقصى في حماية أطفال فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الكيان الاسرائيلي قد اتكأ بالفعل على معطيات سياسية أفرزها الواقع العربي والداخل السياسي الفلسطيني، منها فوضى الخريف العربي، وحالة الانقسام الفلسطيني، بالإضافة إلى تفاهمات صامتة مع بعض الأطراف الدولية، فقرر تدشين المرحلة الأخيرة من مشروعه الكبير في تهويد مدينة القدس والاستيلاء على المسجد الأقصى، ثم بناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.

ولكن الدولة العبرية فاتها، كما يفوتها في كل عمل توسعي جديد داخل فلسطين المحتلة، أن معطيات الشارع الفلسطيني خارج كل الحسابات السياسية، وفوق كل الترتيبات والتفاهمات، فعندما تغفو كل العيون في لحظة إرهاق أو غفلة لا تنام عيون حراس الأقصى. وعندما تنشغل كل النفوس بنيران الحروب الجانبية العبثية يقف الفلسطينيون متأهبين لأية محاولة لاستدارة من عدو لا يوفر وسيلة لتوجيه الضربة الأخيرة والتي يظنّها قاضية لوجودهم.

«إسرائيل» صعدت درجة في عملية هدم الأقصى الطويلة، وستحاول ما استطاعت الثبات على ما كسبته من خطوات في هذه الجبهة، لإلحاق الأقصى بالحرم الإبراهيمي في مشروع التقسيم كمرحلة أولى، ثم التدرج في انهاك الفلسطينيين، وكل المسلمين من ورائهم، بالمزيد من الإجراءات، ولكن الصور الواردة من طرقات وأزقة المدينة القديمة خلال الأيام الفائتة لها رأي آخر، فيه الكثير من الرسائل المباشرة التي لا تقبل التأويل.

أطفال القدس هم في المقدمة في إشارة إلى أن قضية القدس والأقصى وكل فلسطين هي قضية كل أجيال فلسطين، وإن المستقبل الذي يمثله أولئك اليافعون هو لمن يمتلك مفاتيح التاريخ وخرائط الجغرافيا، ويحتفظ بمفاتيح الدور القديمة في كل مدينة وبلدة وحارة فلسطينية وإن دنستها أقدام المستوطنين، أو غيرت معالمها جرافات الجيش المحتل. فصورها محفورة في الذاكرة وجدرانها العتيقة لا تزال منتصبة في الخيال بالرغم من عمليات الطمس.

لم تخطئ القيادة الإسرائيلية الحساب في كل حروبها مع الدول والجيوش العربية، وكانت في كل موقعة تخرج بغنيمة، إلا حروبها مع الشارع المقدسي، فإنها في كل مرة تخرج بانتفاضة تجر بعدها ذيل الانكسار والتنازل، وحلقة محاصرة المسجد الأقصى الآن ربما انتهت بانتفاضة ثالثة لم تحسب الحكومة الإسرائيلية لها حساباً هذه المرة، وغرها ترهل حال المحيط العربي، ونسيت مرة أخرى بأن حربها هذه لا تحسمها الطائرات ولا الصواريخ وإنما الإرادات التي تتناسل داخل جينات الشعب الفلسطيني دون انقطاع.

Email