حواس الكتاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين الكثير من الأنشطة الثقافية حول العالم يبقى لمعارض الكتب نكهتها المميزة، وكلّما حضرت معرضاً للكتاب ينتابني إحساس أن الثقافة بخير، وأن المثقف يعزّز حضوره في مجتمعه عبر أفكاره التي يحملها الكتاب ومن ثم يحملها القارئ معه إلى البيت، زوّادة رحلة شيقة إلى المعرض.

لم تتوقف حكاية معارض الكتب عند تلك الفكرة التقليدية التي تقوم على ما يقدمه العارض من كتب على الأرفف، فقد دخلت الصناعة الذكية عالم الطباعة والنشر، وليس آخرها القارئ الذكي، أي الشاشة التي تعرض صفحات مخزّنة في ذاكرة الجهاز، ويمكن أن يخزن القارئ فيها مئات الكتب، عبر جهاز لوحي يحمله معه أينما حل.

غير أن الكتاب الكلاسيكي مازال يحمل سحره، والدليل على ذلك كل هذه المعارض التي يجوبها الناشرون حول العالم ليعرضوا كتبهم وليس أجهزتهم اللوحية، ولا يتوقّف سحر المطبوع عند القراءة لكن الحواس الأخرى تساهم، رائحة الورق الجديد، ملمس الكتاب، شكله الأنيق، ونكاد نقول مذاقه الطيب، ولكن بمعنى مجازي.

من منا لا يتذكر كتب المدرسة وتلك الرائحة التي تفوح منها، رائحة الحبر، الورق المصقول، الألوان الزاهية، ذلك الكتاب الذي بقي عالقاً في ذاكرتنا، ليس بوصفه كتاباً من أيام الطفولة فحسب، بل لأنه أول كتاب وضعنا على الخارطة المعرفية فنهلنا منه ما يدفع إلى مزيد من العطش، وقد حدث ذلك خاصة لم يكن لنا من تسلية أخرى تلك الأيام سوى اللعب والقراءة.

نكهة معرض الكتاب تدوم طويلاً، وطيف الكتب يظل ماثلاً طالما ظل إحساسنا بالعطش باقياً، إحساس يشبه الدهشة، ولطالما أدهشنا الكتاب عبر التاريخ، دهشة لم تتوقف عند زمن، بل زادت وكبرت كلّما أوغل العمر بنا.

Email