الأبنودي ودعابات مجدي عبيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عبد الرحمن الأبنودي شاعر عَجنَ القصيدة برغيف الناس، ومزجَ عرق البُسطاء برحيق الكلمات، فكان حُنجرة «الغَلابَة»، وقمر النوبة، وصوت الشعر العامي المصري في أقوى تجلياته، صاغ قصائدهُ على مزاج القلب، فعقدَ ضفائر النيل في جبين القافية فَفَتن وافتُتِن، مُقدماً جماليات اللغة المحكية في أعمق صورها، فسحبَ البساطَ من رُواة السير الجائلين والحكواتية و«الشطار» والصعاليك و«فُتوة» الحكايات في ليل القاهرة وشوارعها وحاراتها ومقاهيها وأرصفتها الولادة للقصص والناسجة لسحر المرويات.

من جلباب سيرة أبي زيد الهلالي، وسيوف الزيرِ وملاحم عنترة وبطولات المماليك وشجرة الدر، ورسومات قوافل الحج على بيوت الصعيد، أخرج الأبنودي حكايات مصرية خالصة، وأغنيات ومواويل تحملُ شجن الشخصية الكادحة، مُحملة بالبساطة والقوة وتلك الروح العاطفية المُنحازة للجماهير.

ومن روح الريف، كتب عن شمسِ الحقول وفرحة الفلاحين، والصباحاتِ العامرة بالقناعة، وعن رائحة «الفسيخ» في الربيع الزاهر لأمسيات «شم النسيم». ومن حركة المدينة وقطاراتها التي لا تنام، صور أحلام الضواحي وعشوائيات المدن الكبرى وزرعها عرائشَ تسلقت الأسوار وثمراً شعرياً قطفهُ الجمهورُ حلواً ناضجاً من خلف الأسيجة. من صوتِ الثورة اختزن آمال المُستضعفين، فتفوق على رُباعيات جاهين وثوريات أحمد فؤاد نجم، فكانَ حاضراً صقيلَ السيف في مضمار القصيدة، ونقي الصوت في صداها المُرتجع.

ⅦⅦ

وكما الموتُ يأتي في كثير من الأحيان على حين غفلة، وفي غيرِ ميعاد، كان من المُفارقات في يوم رحيل الأبنودي، غياب مُفاجئ آخر لزميل مُميز عن صالة تحرير «البيان»، هو الصحافي المصري مجدي عبيد، والشهادةُ للهِ، وهو في ذمةِ عطفهِ وواسعِ كرمهِ وتحت عظيمِ ملكوتِ رحمته، الرجلُ الظريفُ المتواضعُ، البسيطُ المباسطُ، الودودُ، الموزع لـ«القفشات» والدعابات الحلوة في فُسحة الشاي، أو كلما التقينا، يدخلُ السرور بـ «قلبه الأخضراني»، على طريقة الأبنودي، ببشاشتهِ المعهودة وروحهِ المرحة. فرحم الله مجدي عبيد، ورحم اللهُ عبدالرحمن الأبنودي.

Email