صناعة الصمت

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما أحوجنا في هذه الأيام ورمضان بيننا، أن نعيش فن الصمت أو صناعة الصمت التي لا تعني بأي حال التخلي عن العمل والحديث العميق المثمر المؤدي للنجاح.

وما نقصده بالصمت هنا هو ترك ما لا يلزم من قيل وقال وكثرة السؤال، وما يتفرع عن ذلك من فنون الغيبة والنميمة والخوض بكل أشكال التجريح عند بعض أهل الصيام، رغم أن الشهر الفضيل هو المناسبة الأمثل لممارسة طقوس الصمت والتفكير على طريقة اليابانيين، الذين تراهم سكوتا وتحسبهم جهالاً، وهم في نفس الوقت يستمعون للمتحدث بفن وذوق يحسدهم عليهما جميع من يعرف كيف أبدعت حضارة الساموراي تلك الآلات والتقنيات الحديثة.

وبالحديث عن التقنيات الحديثة فإن التكنولوجيا لم تستطع، رغم تأثيرها الهائل في الناس، أن تمنع مجالس الغيبة والنميمة، ولم تسرق هوايات البعض لكثرة الكلام رغم انشغال الملايين كل بجهازه المحمول. ورغم كثرة المواعظ والأحاديث عن ضبط اللسان، إلا أنه مازال أحد أكثر الأسلحة حدة في تعاملنا مع الآخرين، وتجد الكثيرين حتى في شهر التعبد، لا يملكون أو بالمعنى الأدق لا يريدون ممارسة فضيلة الصمت والانشغال بقيم ومعانٍ رفيعة، رغم تعدد الخيارات في زمن قلت فيه الأحاديث بين الناس، وحتى بين العائلة الواحدة التي طغى عليها فن الرسائل النصية وتقنيات المحمول الأخرى، التي جيرت بدورها لخدمة اللسان وبدأت تقوم مقامه أو تشكل عوناً له على فنون لا تلائم حرمة الشهر الكريم.

ما أحوجنا في هذا الشهر إلى أن نتذكر الحكمة النبوية في توجيه معاذ إلى أن حصائد الألسن هي أكثر ما يكب الناس على وجوههم يوم القيامة.. هذا في الآخرة، أما في الدنيا فإن حديثك ضد الغير لن يضرهم بأي حال.

 

Email