وداعاً ملك ماكوندو

ت + ت - الحجم الطبيعي

على امتداد ساعات طويلة، وتحت مطر منهمر، مضى عشرات الألوف في طابور ممتد، لإلقاء نظرة أخيرة على جرة تقليدية تضم رماد الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، في قصر الفنون الجميلة في نيومكسيكو، فيما كانت الموسيقى تصدح برائعة الموسيقار بيلا بارتوك بعنوان «رقصات رومانية شعبية» وموسيقى شعبية من كولومبيا، في حين حملت الريح على جناحيها 380 ألف فراشة ورقية تم استيرادها من كولومبيا، خصيصاً لإطلاقها في الهواء خلال الجنازة الرمزية، فيما انبعث الهتاف والغناء من الشوارع المحيطة بالقصر أخيراً.

الكاميرات التي غطت المشهد المثير، توقفت أمام عجوز حمل لافتة كتب عليها «غابو، أراك في الجنة!». وغابو - كما نعلم - هو اسم التدليل الذي كان ينادى به الروائي العالمي الأشهر. ولفت الانتباه أيضاً صبي قال لأحد الإعلاميين: «لقد جئت لرؤية ملك ماكوندو».

حقاً، لقد كان ماركيز الذي رحل عن عالمنا في 17 أبريل الماضي، ملك ماكوندو، وهي البلدة الكولومبية التي أبدعها خيال الروائي الكبير، ودارت فيها معظم أحداث رائعته «مئة عام من العزلة»، وقد نسجها على غرار مسقط رأسه، بلدة أراكاتاكا.

هذا الاحتفاء الكبير بماركيز، ليس تكريماً لعطائه الإبداعي الذي نال عنه جائزة نوبل للأدب عام 1982 فحسب، وإنما هو أيضاً تقدير لمواقف المبدع الكولومبي، التي شكلت انحيازاً تاماً ومستمراً لجماهير الكادحين من أبناء أميركا اللاتينية والعالم الثالث.

والمرء لا يملك إلا أن يحس بالأسى والمرارة، عندما يقارن بين هذا التعبير الحاشد عن الحب والتقدير لماركيز، وبين تعرض الروائي الكبير نجيب محفوظ لمحاولة نحر عنقه من متطرف لم يقرأ روايته التي أقدم على هذا الجرم لرفضه لها.

Email