دبي والإعلام ونكهة الصحافة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تولد القفزات التي حققها الإعلام في دبي من الفراغ، فقد رافقتها قرارات حاسمة من أعلى هرم في السلطة، لإيمانها بدور الإعلام وريادته في صياغة العصر. ولعل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لصحيفة "البيان" أول من أمس خير دليل على هذا الإيمان. فطموحاته أكبر، ورؤيته أوسع في مجال الإعلام، تسعى الأدوات الإعلامية لتحقيقها جاهدة. وقد رأينا الفيلم الوثائقي الذي تم بثه أثناء هذه الزيارة عن تطور صحيفة "البيان" ومدى الإمكانيات التقنية العالية التي تتمتع بها. وكل ذلك من أجل أن تصبح دبي نموذج التواصل. ناهيك عن المنتديات والمؤتمرات والجوائز التي تنعقد وتمنح على مدار السنة، كل ذلك يصّب في السعي وراء تحقيق أفضل النتائج في العمل الإعلامي.

يبقى أن نقول، إن ذلك في كفة، وموهبة الصحافي ورؤيته للعمل الإعلامي في كفة أخرى، إذ أن الإمكانيات وحدها لا تخلق صحافة عظيمة، ما لم يتعامل معها الصحافي بروح إبداعية، قائمة على البحث والاستقصاء وليس التجميع والتقليد. فالصحافيون هم "رواة المدن" كما أطلق عليهم أحد الباحثين، لأنهم يروون قصة هذه المدينة وتلك.

كم صحافياً استطاع أن يصبح "راوياً للمدينة"؟

لا يمكن أن يصبح الصحافي راويا ما لم يحترف كتابة الريبورتاج، واختفاء هذا الصنف يشكل أكبر خطر على أية صحيفة، علماً أن مادته متوفرة في الميدان وتلتقط من ساحاته لصياغة نص بتفاصيل ومعلومات مثيرة وشيقة، يتدفق بناؤها وفق قالب الهرم المزدوج الذي يحمل مادة قصصية مشهدية تأتي بالمعلومة الأهم وخاتمة فلسفية انطباعية وربما مفاجئة وخبرية.

ولكننا بدأنا نفقد ما يميز الصحافة وهي نكهة الكتابة، والبصمة الشخصية.

هل يجب أن نتشابه في الكتابة؟ الإجابة: كلا. التشابه يقتل العمل الصحافي الإبداعي، ويجعله جسداً بلا روح، بلا تشويق أو متعة إذ إن عملية إخبار القارئ تقتل جوهر الصحافة، لذا يجب أن نتبع القاعدة الذهبية القائلة: لا تُخبر القارئ، دعه يرى.

القارئ يريد أن يرى ما يسرده له "رواة المدينة" من قصص. وهنا تكمن جوهر الصحافة.

Email