دبي .. سيرة حياة كوكب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقول الحكمة: إن قطرة الماء تثقب الحجر .. لا بالعنف ولكن بتواصل السقوط. تذكرت هذه الحكمة عندما مررت قبل أعوام بجوار سور شاهق في شارع الشيخ زايد، عُلقت عليه لافتة كُتب عليها «أرقى كيلومتر مربع في العالم».

 وما أن مرّت السنوات حتى أصبحت منطقة برج خليفة بالفعل أرقى كيلو متر مربع في العالم، وساحة لنافورات الماء الراقصة كما هو الحال في نافورات قصر فيرساي، التي تتراقص على أنغام الموسيقى، بل وتحول ذلك الكيلومتر مربع إلى ساحة للاحتفالات الشعبية بعيد رأس السنة حيث لم يجد المحتفلون موطأ قدم فيها.

وأكثر من ذلك، دبي تجسد سيرة حياة كوكب، كما في مشروع «حديقة دبي لتكنولوجيا المعلومات» التي تتحول فيه الأفكار إلى حقيقة، صاحب هذه الفكرة المعماري العالمي (جيمس لو) الذي أراد أن يجسد نموذجاً للكرة الأرضية في حاضرها ومستقبلها، حيث ستكون الحياة شبيهة بالحياة داخل الكرة الأرضية حين تعتمد على نفسها في كل شيء، بدءاً من مصادر الطاقة المتجددة من ألواح الطاقة الشمسية، وصولاً إلى إعادة تدوير المخلفات والمياه.

لم تظهر عجائب دبي العمرانية من الفراغ، لأن وراءها قبطان فذ، ماهر، رؤيوي، يعرف كيف يقود السفينة بين الإعصار برؤيته الثاقبة. ليست نهضة مقتصرة على البناء والتشييد فقط، فهي تزخر بالجوانب الإنسانية الرائعة إذ استطاعت أن توازن بين العمارة والمعرفة في رؤية حداثية قل نظيرها في العالم. وفي البناء الحديث، لم تنس دبي تراثها وهويتها، فقد أنفقت المليارات على صيانة الأبنية التاريخية والتراثية. معادلة فريدة من نوعها تسعى إلى تزاوج القديم بالحديث دون المساس بروح دبي، تلك الإمارة التي برعت في صيد اللؤلؤ والغوض ومواجهة أهوال البحر.

لا توجد مدينة عظيمة بدون أفكار عظيمة، ووراء كل مدينة عظيمة رجل عظيم، وكما تألق نبوخذ نصر وراء جنائن بابل، يتألق قائد فذ من طراز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وراء دبي. ولا تزال قطرة الماء تثقب الحجر، لا بالعنف بل بتواصل الحكمة التي تدور في الأذهان والعقول.

Email