الآن، انقشع الغبار بعد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27) «مؤتمر الأطراف 27» الذي انعقد في مـصر، ولكن يظل عدد كبير من الأسئلة بلا إجابة حول كيفية تمويل جهود خفض الانبعاثات والتكيف. لن يتمكن العالـم من تجنب المستويات الخطيرة من تغير المناخ دون زيادة كبيرة في الاستثمار في البلدان النامية. وإذا ظلت هذه البلدان على اعتمادها على الوقود الأحفوري والتكنولوجيات غير النظيفة، فستكون أكبر مصدر لنمو الانبعاثات في العقود المقبلة.
ما يدعو إلى التفاؤل أن مثل هذا الاستثمار ليس كفيلاً بخفض الانبعاثات وبناء القدرة على الصمود فحسب؛ بل من الممكن أن يقود أيضاً شكلاً جديداً من أشكال النمو والتنمية أكثر جاذبية من المسارات غير النظيفة والمدمرة من الماضي. وعلى هذا فإن مساعدة هذه البلدان على التعجيل بالانتقال إلى اقتصادات مستدامة وشاملة وقادرة على الصمود تصب في مصلحة البلدان المتقدمة.
خلص تقرير، نـشـر خلال الأسبوع الأول من مؤتمر الأطراف 27، إلى أن استثمار هذه البلدان السنوي في العمل المناخي يجب أن يزيد على الفور، من نحو 500 مليار دولار في عام 2019 إلى تريليون دولار بحلول عام 2025، ونحو 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2030. لن يقتصر هذا الاستثمار على تحقيق أهداف اتفاقية باريس؛ بل سيدفع أيضاً هذا الشكل الجديد من النمو ويعزز التقدم نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
يحدد تقريرنا ثلاث أولويات للاستثمار. أولاً، يجب أن يكون التمويل موجهاً نحو تسريع عملية تحول الطاقة، وخصوصاً نشر مصادر الطاقة المتجددة، حيث يشكل هذا ضرورة أساسية للإبقاء على أهداف اتفاقية باريس في المتناول.
ثانياً، نحتاج إلى استثمارات متزايدة في المرونة والقدرة على الصمود لحماية الأرواح وسبل العيش ــ وبشكل خاص بين المجتمعات الأكثر فقراً في العالم ــ من التأثيرات المتزايدة التدمير المترتبة على تغير المناخ، فضلاً عن آليات فـعـالة وجيدة التمويل لمعالجة الخسائر والأضرار (الـمـعـرفة على أنها تكاليف لا يمكن تجنبها من خلال جهود التخفيف والتكيف). وثالثاً، نحن في احتياج عاجل إلى تعزيز التنوع البيولوجي والحفاظ على النظم البيئية التي نعتمد عليها جميعاً. وتمثل الاستثمارات في الطبيعة مساهمات بالغة الأهمية لكل من بناء القدرة على الصمود وخفض الانبعاثات.
الواقع أن نحو نصف تمويل هذه الاستثمارات يمكن تغطيته من مصادر محلية عامة أو خاصة في البلدان النامية، كما يمكن توفير تريليون دولار إضافية أو نحو ذلك سنوياً من مصادر خارجية. وفي حين ستشكل مصادر التمويل العامة، الداخلية والخارجية، ضرورة أساسية، فإن الحصة الأكبر من الممكن أن تأتي من القطاع الخاص، الذي سيستثمر من أجل تأمين عوائد جذابة من السوق المتنامية الحجم للسلع والخدمات الخالية من الانبعاثات والقادرة على مقاومة تغير المناخ، شريطة توفر القدرة على تقليل المخاطر وإدارتها بكفاءة.
إن الشراكة الأقوى بين القطاعين العام والخاص قادرة على فتح فرص استثمارية جديدة، وإدارة المخاطر، وتقليل تكلفة رأس المال، وحشد التمويل اللازم على نطاق أوسع كثيراً. لكن هذا التمويل يجب أن يأتي من المصادر الصحيحة، مثل المؤسسات الخيرية، وحقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي (الأصل الاحتياطي لصندوق النقد الدولي)، أو مبيعات أرصدة الكربون.
علاوة على ذلك، يجب أن تزيد المنح والقروض المنخفضة الفائدة التي تقدمها حكومات البلدان المتقدمة من 30 مليار دولار في عام 2019 إلى 60 مليار دولار في عام 2025. لن يمثل هذا التمويل سوى نسبة صغيرة من المبالغ الإجمالية اللازمة، ويجب أن يكون موجهاً بعناية نحو الأولويات التي لن تجتذب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص. لوضع هذا في المنظور الصحيح، فإن 60 مليار دولار لن تمثل سوى 0.1 % من الناتج الاقتصادي المتوقع في البلدان المتقدمة في عام 2030، أو نحو 0.7 % من 9 تريليونات دولار خصصتها الدول الغنية على مدار العامين الماضيين للتعامل مع جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد 19).
أخيراً، يجب أن يضطلع البنك الدولي وغيره من بنوك التنمية المتعددة الأطراف بدور حاسم في تحقيق أهداف باريس. يجب أن تتضاعف استثماراتها في العمل المناخي إلى ثلاثة أمثالها لتصل إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2025، من نحو 60 مليار دولار اليوم، لتحقيق التمويل المشترك مع القطاع الخاص على النطاق اللازم، على أن يقترن هذا بدعم البنية الأساسية العامة.
يعترف القرار الذي اتخذه مؤتمر الأطراف 27 بإنشاء ترتيبات تمويل جديدة للخسائر والأضرار بالحاجة إلى استثمار إضافي من جانب حكومات البلدان المتقدمة لمساعدة البلدان النامية على الحد من الضرر الناجم عن أحداث الطقس المتزايدة التواتر والشدة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والتصحر، وغير ذلك من المشكلات المرتبطة بتغير المناخ. تعاني كل البلدان بالفعل من خسائر وأضرار ناجمة عن تغير المناخ، لكن العواقب الاجتماعية والاقتصادية قد تكون أشد تدميراً في البلدان النامية، التي لا تواجه تكاليف الإصلاح وإعادة البناء فحسب، بل وأيضاً انخفاضاً حاداً في الناتج الاقتصادي، وتشغيل العمالة، ومستويات المعيشة.
تعمل الخسائر والأضرار أيضاً على زيادة خطر اضطرار الناس في المناطق الضعيفة والمعرضة بشدة للمخاطر في البلدان النامية إلى الهجرة، مما يزيد من تعريض الاستقرار الاجتماعي والسياسي للخطر. إذا تمكنت البلدان الفقيرة من اكتساب المزيد من المرونة والقدرة على الصمود في مواجهة التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، وإذا كان بوسعها التعافي من هذه التأثيرات بسرعة أكبر وفعالية، فستكون قادرة على زيادة الاستثمار في التنمية المنخفضة الكربون، وستشكل خطراً أقل على الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي. مرة أخرى، في حين زعمت البلدان النامية ــ وساقت مبررات مقنعة ــ لفترة طويلة، أن البلدان الغنية يجب أن تعمل على توفير تمويل منفصل للبلدان النامية على سبيل التعويض عن الخسائر والأضرار المرتبطة بانبعاثات الماضي، فإن القيام بذلك يصب أيضاً في مصلحة البلدان الغنية.
سيكون عقد العشرينيات من القرن الحادي والعشرين حاسماً في مكافحة تغير المناخ. وسيكون المزيد من التأخير شديد الخطورة. لكن كل البلدان يجب أن تعمل على دفع عجلة الانتقال إلى الحياد الكربوني. ولا يجوز للعالـم الغني أن يكتفي ببذل المزيد من الجهد لتقليل انبعاثاته، بل يتعين عليه أن يعمل أيضاً على توليد التمويل اللازم لمساعدة الآخرين وحماية البلدان الأكثر فقراً في العالم من مشكلة لم تسهم في خلقها.
* وكيل الأمين العام للأمم المتحدة.
**كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي (2003-2000) والرئيس المشارك للجنة الدولية الرفيعة المستوى لأسعار الكربون سابقاً.
***أستاذ الممارسة الزائر في معهد جرانثام لأبحاث تغير المناخ والبيئة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.