واشنطن وتحدي تسريع النمو الاقتصادي

سيمون جونسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بعض الدوائر الرسمية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، تخيم أجواء من التشاؤم بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي. والآن حان وقت تبديد هذه الأجواء.

يخشى المتشائمون أن تكون سلسلة من صدمات العرض على مدار العامين الأخيرين ــ بسبب جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد19)، وارتباكات الإنتاج في الصين، والغزو الروسي لأوكرانيا ــ أخرجت النمو الاقتصادي عن مساره. علاوة على ذلك، يميل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الآن إلى رفع أسعار الفائدة إلى أن تجلب السياسة النقدية، على حد تعبير رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، «بعض الألم للأسر والشركات»، والذي يُـفـتَـرَض أنه السبيل الوحيد لوضع التضخم تحت السيطرة.

لكن وجهة نظر بديلة لم تحظ بالقدر الذي تستحقه من الاهتمام. وفقاً لأنصار وجهة النظر هذه، فإن الاقتصاد الأمريكي مهيأ لقدر كبير من التوسع الاقتصادي المستدام، لأن التطورات في السنوات الثلاث الأخيرة أزالت ــ عن طريق الحظ وإجماع سياسي جديد ــ عائقاً رئيسياً أمام النمو الشامل.

في العقود الأخيرة، أصبح الإبداع متركزاً في عدد قليل من المدن الكبرى ــ أغلبها في الساحلين الشرقي والغربي ــ والتي أصبحت أيضاً أماكن تكلفة المعيشة فيها باهظة. لكن استجابات القطاع الخاص للجائحة أضعفت الـصِـلة بين الموقع والإبداع، والآن من المنتظر أن ينشر التشريع الجديد الذي تقدم به الحزبان فرصاً اقتصادية جديدة في مختلف أنحاء البلاد.

توصل بحث أجراه تشانج تاي هسيه من جامعة شيكاغو وإنريكو موريتي من جامعة كاليفورنيا، إلى أن القيود المفروضة على المعروض من المساكن في «المدن العالية الإنتاجية» في الولايات المتحدة تسببت في الحد من تدفق العمال إلى المناطق المزدهرة. كانت الإيجارات مرتفعة للغاية. في غياب القيود على المعروض من المساكن، كما تشير تقديرات هسيه وموريتي، كان نمو الولايات المتحدة ليصبح أعلى بنحو 50% خلال الفترة من 1964 إلى 2009 ــ وهو تأثير هائل.

تتلخص إحدى استجابات السياسات في بناء المزيد من المساكن في أماكن مثل سان فرانسيسكو وبوسطن. لكن مثل هذه الأفكار تصطدم على نحو ثابت بمعارضة محلية قوية ويبدو من غير المحتمل أن تكتسب أي ثِـقَـل على الإطلاق. البديل الواضح، الذي اقترحته بالمشاركة مع جوناثان جروبر في كتاب «دفع عجلة أمريكا»، هو خلق المزيد من فرص العمل في الوظائف الأعلى إنتاجية في الأماكن التي يعيش فيها الناس بالفعل ــ خارج المراكز التكنولوجية الرئيسية الراسخة.

عندما نشرت أنا وجروبر هذه الأفكار في عام 2019، كانت ردود الفعل مهذبة ولكن خافتة. بدا كسر طغيان المسافة أمراً صعباً في نظر أغلب الناس، الذين تساءلوا: ألا ينبغي للمرء أن يذهب إلى المكتب أو المختبر أربعة أيام على الأقل في الأسبوع (أو الأفضل خمسة) لكي يكون منتجاً؟

لكن منذ ذلك الحين طرأت ثلاثة تغيرات رئيسية.

يتعلق الأول بموقف العمال. لا يحب معظم الناس التنقل، وخصوصاً إذا كان الأمر ينطوي على التعطل في حركة المرور أو الاضطرار إلى الاقتراب من أشخاص آخرين في وسائل النقل العام. وأغلب الناس لا يرغبون في الذهاب إلى المكتب أيام الجمعة، ويفضل كثيرون الحضور شخصياً ليس لأكثر من يومين في الأسبوع.

ثانياً، في حين تفضل بعض الشركات حضور جميع الموظفين كل يوم، فإن سوق العمل الأكثر إحكاماً تعني أن المديرين يجب أن ينتبهوا إلى الكيفية التي يرغب بها الأشخاص الموهوبون في ترتيب حياتهم. ويعني هذا جزئياً على الأقل التفكير في نقل المهام بعيداً عن تلك المناطق الساحلية المزدحمة والمكلفة إلى أماكن، حيث أسعار العقارات معقولة ومساقات التنقل أقصر. حددت أنا وجروبر أكثر من 100 مكان من الممكن أن تصبح مراكز تكنولوجية للجيل التالي.

أخيراً، تغيرت السياسات على المستوى الفيدرالي بشكل كبير. بدعم من 64 عضواً في مجلس الشيوخ، يشكل قانون الرقائق والعلوم لعام 2022، الذي أُقـِـرّ أخيراً، التزاماً فيدرالياً رئيسياً بتشجيع تطوير 20 مركزاً تكنولوجياً جديداً. ومن الممكن استخدام التمويل للبنية الأساسية، وتنمية القوى العاملة، وغير ذلك من الاستثمارات المحلية المعقولة. سوف تكون المنافسة بين الأماكن للحصول على هذه الأموال شديدة في الأرجح، وهذا من شأنه أن يخلق الحافز لمحاولة جعل أي مكان أكثر جاذبية للشركات لتنقل إليه جزءاً من قوتها العاملة.

يساور بنك الاحتياطي الفيدرالي القلق إزاء سوق العمل الـمُـحـكَـمة، لكن الجانب الآخر من البطالة المنخفضة هو أنها يجب أن تحفز الشركات على البحث عن أماكن حيث يمكنها استئجار الناس وبناء ولاء العمال. ويستمر السباق بين أصحاب العمل لإيجاد أماكن جديدة للتطور والنمو. وسوف تساعد الأموال من الحكومة الفيدرالية، ولكن كما يؤكد البيت الأبيض، ستكون عملية خلق الوظائف هذه بقيادة القطاع الخاص.

في الوقت ذاته، من الأهمية بمكان ألا يؤدي هذا الاستثمار المتزايد في المجتمعات إلى إزاحة الناس الذين يعيشون هناك. ويشكل تعزيز تدريب قوة العمل ضرورة أساسية.

في عموم الأمر، يعترف قانون الرقائق والعلوم بأن الولايات المتحدة في احتياج إلى تجديد اهتمامها بالعلوم الأساسية والعملية التي تتحول في إطارها الأفكار المعقولة إلى منتجات حقيقية. إذا قامت الولايات المتحدة بهذا على أساس ممتد، ونشرت هذه الفرص في مختلف أنحاء البلاد، فسوف تكون النتيجة تسريع عجلة النمو الاقتصادي وتوزيع فوائده على نطاق أوسع كثيراً.

 

* كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وهو أستاذ في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والرئيس المشارك لتحالف سياسات (كوفيد19)

Email