تقسيمات ومفاهيم عالمية جديدة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد كان لمسمى «الغرب» ومفاهيمه ودلالته ومصادر قوته الكبرى في السابق، والتي حقق معها انتصارات وإنجازات، ولكن ربما يتعين على جميع الدول والهيئات المعنية، الآن، إحالة هذه التسمية العتيقة إلى التقاعد، كما يقول بعض الخبراء.

على الدول المؤثرة وهي تعيد الدراسة والتمحيص والاعتبار في الصدد، أن تكون حذرة فبينما هي تتحرك لإنشاء تحالفات جدية، واستئصال تعبير «الغربي» من مفرداتها ومفاهيمها العتيقة.

فمن الضروري أن تتوقع بعض المقاومة والرفض . وطبعا هنا لن تاتيها المشكلة من الفتيان في وايومنج ومونتانا، الذين يرتدون أحذية رعاة البقر الرياضية ويقودون شاحنات مزودة بمساند للأسلحة النارية، والذين سيستمرون في العيش «في الغرب» مهما حدث. بل ستأتي الشكاوى والمخاطر من الأمريكيين اللاتينيين، الذين قيل لهم بين الفينة والفينة إنهم ينتمون إلى الغرب.

ولكن ليسوا كأعضاء من الدرجة الأولى. صَـدِّقـنا: سوف يستشيط اللاتينيون غضباً.

بماذا نستبدل مصطلح «الغرب» إذن؟ إنه سؤال يتطلب فـكراً استراتيجياً متطلعاً إلى المستقبل ومن خارج الصندوق. بعد تشاور مكثف مع أصحاب المصلحة، بات بوسعنا أن نقترح بعض الخيارات:

ديمقراطيات العالم. قد يبدو هذا التعبير ثقيلاً بعض الشيء، لكنه لا يخلو من طابع أخلاقي، فضلاً عن ميزة التركيز على ماهية كيانات مثل الهند وجنوب أفريقيا، ولكن ليس الصين وروسيا. علاوة على ذلك، من الواضح أن إندونيسيا، وبنغلاديش، والفلبين، والبرازيل، والمكسيك، وكل منها يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، تتناسب إلى حد كبير مع هذه الفئة.

مجتمعات العالم المفتوحة. هذا خيار متين وذكي، وربما يُـفـضي الأخذ به إلى فتح التمويل من مؤسسة أو اثنتين. ولكن ما دامت الهجرة تشكل قضية ساخنة في العديد من الديمقراطيات، فهل ترغب الحكومات حقاً في الإيحاء بأنها على استعداد لقبول ملايين المهاجرين؟ من الأفضل استبعاد هذا الخيار.

اقتصاديات السوق في العالم. من المؤسف أن هذا مرفوض تماماً. فقد تعمل الأسواق على خير ما يرام في التطبيق العملي، ولكن ليس من الناحية النظرية ــ على الأقل ليس في شركة مهذبة. لكي يصبح هذا الاقتراح مناسباً كسمة مميزة، سيكون لزاماً أن نتحدث عن اقتصاديات السوق العالمية الشاملة، الشفافة، بعد إعادة الضبط، وبعد التحول العادل والأخضر. وفي هذا إطناب وإطالة.

مجتمعات العالم الرأسمالية. ذات الشيء. فباستثناء البعض، من يريد أن يحمل لقب «رأسمالي» في أيامنا هذه؟

لذا نوصي باختيار تعبير «الديمقراطيات». إنها التسمية الصحيحة لوصف الدول التي يجمع بينها هدف محاربة الخطر. ولكن من المهم كيف يُـقال هذا. الواقع أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يضفي على وصف «ديمقراطيات العالم» مسحة وطيدة لطيفة، وهو ما يأتي مصحوباً بجاذبية كونه يقترب من الثمانين من عمره.

وَجَدَت المذكرة السرية التالية المرفوعة من شركة استشارية كبرى إلى زعيم غربي ذائع الصيت، طريقها إلى أيدينا، وجاء فيها:

قُـضي الأمر. كخطوة أولى في الرحلة الاستشارية التي بدأناها سوياً، نقترح تغيير سِـمَـتـكم المميزة ومحو القديمة من الوجود. نعلم أن هذا سيكون قاسياً عليكم، ولكن لا بديل.

يتعين علينا أن نتخلص من مفهوم «الغرب» بما يحمله حالياً. «التحالف الغربي»، و«القيم الغربية» ــ كل هذا يجب أن يرحل. على أية حال، كل ما له علاقة بالغرب كان في طريقه إلى الرحيل من منظور «التسويق»، منذ فترة طويلة الآن. لا بأس في استخدام عبارات من قبيل «مستدام»، و«صديق للبيئة»، و«خالٍ من التجارب على الحيوانات»، ولكن لا يجوز لنا أن نصف أياً من ذلك على أنه «غربي».

إن المشكلة لا تكمن في مصطلح «الغرب» فحسب. ففي حين قد يكون مصطلح «الجنوب العالمي» أفضل من تعبير «العالم الثالث» الهجومي المهين أو المسمى المخادع المضلل «البلدان النامية»، فإنه لا يخلو من نقاط ضعف حقيقية. فبعض بلدان «الجنوب العالمي» فقيرة؛ وبعضها الآخر من البلدان الغنية.. وكثير منها ليس حتى في الجنوب.

بصراحة، يبدو تعبير «الجنوب العالمي» أشبه بعض الشيء بأن تقول «أنتم أيها الشعوب البنية اللطيفة هناك». لا أظن أن أي شخص قد يكون راغباً في أن يُـضبَـط متلبساً بالنطق بمثل هذه العبارات في أيامنا هذه.

* مرشح رئاسي ووزير المالية في شيلي سابقاً، ويشغل حالياً منصب عميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

 

Email