أستراليا والوسط السياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيشغل حزب الخضر الأسترالي، الذي لم يكن يشغل أكثر من مقعد واحد في مجلس النواب قبل الانتخابات، أربعة مقاعد في البرلمان الجديد. وفي مجلس النواب المكون من 151 عضواً، لن يكون هناك توافق مع الأحزاب الرئيسة الـ 14، التي تعتبر تغير المناخ قضية ذات أهمية قصوى.

وشهدت أستراليا استقطاباً سياسياً متزايداً، لا سيما خلال السنوات التسع الأخيرة من الحكومة المحافظة، بقيادة الحزب الليبرالي، في ائتلاف مع الحزب الوطني الأصغر، الذي يتخذ من المنطقة الريفية مقراً له. لهذا، قد تحمل نتيجة الانتخابات الفيدرالية التي أجريت في مايو، دروساً مهمة للأنظمة السياسية المستقطَبة الأخرى.

لنأخذ، على سبيل المثال، نتيجة الانتخابات في الدائرة الانتخابية «كويونغ»، وهي أكثر المقاعد الليبرالية أماناً. تغطي الدائرة بعضاً من أكثر ضواحي ملبورن ثراءً، ومنذ إنشائها في عام 1901، دائماً ما كانت تنتخب ليبرالياً أو ممثلاً عن أسلافها المحافظين. فخلال الانتخابات الأخيرة، شغل جوش فرايدنبورغ، العضو الدائم في كويونغ، منصب أمين الصندوق الفيدرالي، ونائب زعيم الحزب الليبرالي، ورشحه الكثيرون رئيساً للوزراء في المستقبل.

ولم يمنح أي ناخب لحزب العمال الأسترالي، المعارض الرئيس، فرصة للفوز بمقعد في كويونغ، وكانوا محقين في ذلك. ولكن فرايدنبورغ واجه أيضاً خصماً أكثر غرابة هذا العام، وهي مونيك ريان، اختصاصية أعصاب الأطفال، التي تولت سابقاً إدارة قسم طب الأعصاب في مستشفى الأطفال الرائد في «ملبورن». وانسحبت ريان من هذا المنصب، لتطلق حملة انتخابية، بصفتها مرشحة مستقلة في دائرة الناخبين التي كانت تقطن بها.

ويتكون مجلس النواب الأسترالي من هيئات اقتراع فردي، تتضمن أعضاءً انتخبوا عن طريق التصويت التفضيلي، وهو المعروف أيضاً باسم التصويت القائم على الترتيب حسب الأفضلية، أو جولة الإعادة المباشرة، التي يجب عدم الخلط بينها وبين التمثيل النسبي. وبعد أن حُدد عدد الأصوات التي وزعت حسب الأفضلية، هزمت ريان منافسها فريدنبورغ بحصيلة 53 % - 47 %.

وكانت ريان واحدة من مجموعة من المرشحين في الانتخابات، عُرفت باسم «مستقلي البط البري»، لأن سياساتهم الاقتصادية، غالباً ما تكون محافظة (اللون الأزرق هو لون الأحزاب المحافظة في أستراليا)، لكن سياساتهم المناخية خضراء. وكان هذا المزيج مناسباً تماماً لناخبيهم المحافظين.

كذلك، في ثلاث دوائر انتخابية في «سيدني»، تتميز بطابع محافظ، شأنها في ذلك شأن «كويونغ» تقريباً، مُني الليبراليون الحاليون بهزيمة على يد النساء المحترفات المحليات، اللائي كن يقمن بحملات من أجل اتخاذ إجراءات أقوى بشأن تغير المناخ. وحدث الشيء نفسه في «بيرث»، وفي معقل ليبرالي آخر في «ملبورن». وإجمالاً، انتُخب لمجلس النواب ستة مستقلين جدد، جميعهم من النساء، وجميعهن يركزن على تغير المناخ. وعندما يلتحق بهن ثلاثة مستقلين أعيد انتخابهم لمناصبهم السابقة، ومستقل آخر جديد، غير متحالف مع مجموعة «البط البري»، سيكون لدى البرلمان الأسترالي عشرة مستقلين.

وحصل المستقلون الذين أطلقوا حملة تروج للحاجة، إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن تغير المناخ، على دعم من «كلايمت 200»، وهي هيئة لجمع الأموال، وزعت 12 مليون دولار أسترالي (8.7 ملايين دولار)، على 23 من المستقلين المهتمين بالمناخ. وكانت النصائح العملية التي قدمتها الهيئة، في ما يتعلق بإطلاق الحملات، مهمة أيضاً للمرشحين الذين لم يسبق لهم الترشح للانتخابات. وتولى كل مستقل شؤون مجتمعه الخاص، بدعم من متطوعين محليين، طرقوا الكثير من الأبواب.

وكان التصويت التفضيلي ضرورياً، ليحقق مستقلو مجموعة «البط البري» الانتصار، لأن ذلك كان يعني أنه يمكنهم الفوز، دون حصولهم على أصوات تختارهم كمرشحين مفضلين من الدرجة الأولى. وفاز المستقلون الستة الجدد، عن طريق تقدمهم على مرشح حزب العمل في دائرة الناخبين، التي كانوا يتنافسون فيها، مع إبقاء المرشح الليبرالي في مستوى أقل من %50 من الأصوات. وبعد ذلك، استُبعد المرشحون الذين حصلوا على عدد أقل من الأصوات تدريجياً، ووزعت تفضيلات الناخبين على هؤلاء المرشحين. وكما هو متوقع، أوصى كل من حزب الخضر والعمل، بأن يعطي ناخبوهم تفضيلاتهم للمستقلين قبل الليبراليين. وكانت تلك التفضيلات كافية بعد ذلك لوضع المرشح المستقل في مرتبة متقدمة على الليبرالي.

* أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي بجامعة برينستون

Email