آسيا وتجربة فنلندا

تاكاتوشي إيتو - نائب وزير المالية الياباني الأسبق، وهو أستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وأستاذ بارز في المعهد الوطني العالي للدراسات السياسية في طوكيو.

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصف مصطلح «الفَنْلَدة» الالتزام بالحياد الاستراتيجي الذي قد تتخذه دولة ما، حتى تتجنب استفزاز بلد جار أكبر وأقوى منها بكثير. والمصطلح مشتق من سياسة فنلندا طويلة الأمد والمتمثلة في عدم الانحياز العسكري الصارم مع الاتحاد السوفييتي أو الغرب، وهي السياسة التي حافظت عليها تجاه روسيا بعد نهاية الحرب الباردة، ولكنها تغيرت إثر طلبها الأخير المتعلق بعضوية الناتو. بيد أنه رغم تخلي فنلندا عن الفنلندة، فقد تكون العديد من الدول الآسيوية مستعدة لاعتمادها.

وعلى عكس فنلندا وشركائها الأوروبيين، امتنعت معظم الدول الآسيوية عن الإدانات الشديدة لروسيا في الأزمة الأوكرانية. وتضمنت البلدان الـ35 التي امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس على قرار يطالب روسيا بإنهاء الأزمة في أوكرانيا، 11 بلداً من آسيا.

وشملت تلك الدول الممتنعة دولتين من القوى العظمى وهي الصين والهند. بالنسبة للصين، قد يتعلق قرار الامتناع عن التصويت بالغرب أكثر من روسيا، التي وقعت معها اتفاقية تعاون قبل أسابيع قليلة من الأزمة. إذ ينتاب قادة الصين الكثير من الشكوك بشأن القيم الغربية، ويخشون من تسليح المؤسسات الدولية التي يقودها الغرب. وإذا قررت الصين غزو تايوان، فإنها تأمل في تجنّب التكاليف الدولية الباهظة التي تكبدتها روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا.

ومن جانبها، ربما امتنعت الهند عن التصويت بسبب صلاتها القائمة منذ زمن طويل مع روسيا. فقد قادت الهند حركة عدم الانحياز في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي - وهي الفترة التي اتبعت فيها أيضاً سياسات اقتصادية اشتراكية على النمط السوفييتي. وتخلت الهند عن هذه السياسات في أوائل التسعينيات من القرن العشرين - في نفس الفترة تقريباً التي شهدت انهيار الشيوعية في أوروبا - لكنها استمرت في الاعتماد على روسيا في الإمدادات العسكرية، بما في ذلك الطائرات الحربية والدبابات. ونظراً لأهمية هذه الإمدادات، لا تستطيع الهند تحمل تنفير روسيا، على الرغم من شراكة الكرملين التي تتوثق بصورة متزايدة مع الصين.

إن الرئيس الأمريكي جو بايدن زار آسيا في محاولة لتعزيز تلك الجبهة. وخلال اجتماعاته مع رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، ورئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، سعى بايدن إلى إرساء الأساس لتعاون أعمق، بما في ذلك من خلال التخطيط لمجموعة متنوعة من الحالات الطارئة، مثل هجوم صاروخي كوري شمالي على أي من أراضي البلدان الثلاثة. حتى إن بايدن تعهد بالدفاع عن تايوان عسكرياً في حالة حدوث غزو.

ولكن بايدن عقد اجتماعات ثنائية منفصلة مع «يون» و«كيشيدا». ولكي تصمد الجبهة، يجب أن تبني كوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة، استراتيجية عملية ثلاثية الاتجاهات لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها آسيا.

وأما «كيشيدا» فيخالف سياسات أسلافه، التي جسدت نهجاً أكثر لطفاً تجاه روسيا، على أمل أن تعيد روسيا إلى اليابان جزر «كوريل» الأربع التي استولى عليها ستالين في نهاية الحرب العالمية الثانية. والتقى آبي شينزو، الذي خدم لأطول مدة رئيساً لوزراء اليابان، وانتهت فترة ولايته في عام 2020، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، 27 مرة بين عامي 2012 و2020، وقدم لروسيا مساعدة اقتصادية كبيرة.

وعلى أي حال، تخلت اليابان الآن عن المشروع. فبعد أزمة أوكرانيا، سرعان ما أعلنت إدارة «كيشيدا» أنها ستنضم إلى بقية دول مجموعة السبع في فرض عقوبات صارمة على روسيا. ومنذ ذلك الحين علقت معظم مشاركتها الاقتصادية مع روسيا.

ويبدو أنّ كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية منخرطتان بجبهة موحدة مع الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة روسيا. وربما أن جميع الدول، بوجه عام، مطالبة، بأن تحرص على اتباع سياسات سلمية مثمرة تمهد لحلحلة أية عقبات ونزع فتيل التشنج.

 

Email