صندوق التأهّب والاستجابة للجوائح..آليات عمل وبرامج لازمة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى وقتنا هذا، لا يزال أكثر من ثلثي سكان القارة الأفريقية غير محصنين ضد مرض فيروس «كورونا» 2019 «كوفيد19»، ومن الواضح أن النظام العالمي للتأهب والاستجابة للجوائح لا يزال يعاني بشدة من نقص التمويل ويفتقر إلى أنظمة توصيل مرنة وفعالة. وفي حين ساعدت مبادرة تسريع الوصول إلى أدوات «كوفيد19»، التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية في معالجة التفاوت الجسيم في القدرة على الوصول إلى أدوات الاختبار، والعلاجات، واللقاحات، فإنها تفتقر إلى الدعم المالي اللازم لمساندة البلدان المنخفضة الدخل بشكل شامل.

أظهرت الأبحاث العلمية والاقتصادية أن أي جائحة تنتشر عن طريق الهواء في المستقبل قد تقتل الملايين من البشر وتتسبب في إحداث فوضى اقتصادية، وخاصة في سياق التوسع الحضري المتزايد واشتداد حدة تغير المناخ. إن ظهور عامل مُـمـرِض جديد آخر أمر حتمي لا مفر منه، وعندما يأتي فقد يشكل تهديدا وجوديا للبشرية. وكما هي الحال مع المعركة ضد الانحباس الحراري الكوكبي، فإن تكاليف التقاعس عن العمل أكبر كثيرا من تكاليف العمل.

في شهر أكتوبر الماضي، أصدرت الرئاسة الإيطالية لمجموعة العشرين خريطة طريق للتأهب والاستجابة للجوائح لضمان استعداد العالم على نحو أفضل للتصدي للتحدي الصحي العالمي القادم. في الأيام المقبلة، سيتلقى وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة العشرين تقرير تقدم العمل من مجموعة العمل المالية والصحية المشتركة، وهي الهيئة التي أنشأتها مجموعة العشرين لمراقبة الأداء.

تتمثل خطوة تالية حاسمة في إنشاء صندوق مالي وسيط فعال ممول على النحو اللائق. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي إلى وجود فجوة تمويل سنوية لا تقل عن 10.5 مليارات دولار أمريكي في التأهب والاستجابة للجوائح. وينبغي لنا أن ننظر إلى هذا باعتباره الحد الأدنى من التمويل الإضافي اللازم كل عام لدعم الوصول العادل إلى اللقاحات، والاختبارات والعلاجات، ومراقبة مسببات الأمراض، والبحث والتطوير، والتصنيع، والبنية الأساسية الصحية.

لا يوجد سبب وجيه قد يجعل مجموعة العشرين عاجزة عن جمع 10.5 مليارات دولار أخرى سنوياً. فهذا جزء ضئيل من تريليونات الدولارات التي يجري توظيفها للتخفيف من حدة الجائحة الحالية، ناهيك عن تريليونات الدولارات التي قد تُـهـدَر في حال اندلاع أزمة صحية عالمية أخرى.

ولكن لإحراز النجاح، يجب أن يستوفي الصندوق المالي الوسيط أيضا أربعة شروط محددة. أولاً، لا يجب أن يكون ممولا من خلال تعهدات عَـرَضية أو مبادرات الاستكمال التي لا يمكن التعويل عليها. بدلا من ذلك، يجب أن تتفق الحكومات على توفير التمويل للسنوات الخمس الأولى مقدماً، في حين تتخذ خطوات لبناء التزامات مالية تجاه الصندوق المالي الوسيط في ميزانياتها السنوية.

يجب أن يشجع هذا الصندوق البادئ آليات التمويل المبتكرة والمختلطة للاستفادة من استثمارات الصندوق المالي الوسيط. ولا حاجة بنا إلى إعادة اختراع العجلة هنا. الواقع أن الحكومات وبنوك التنمية والمؤسسات الخيرية والشركات تعمل بالفعل على إنشاء شراكات جديدة لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات صِـفر. ويجب أن يعكف قادة مجموعة العشرين على تشكيل فريق خبراء لتحديد أفضل الممارسات من نماذج التمويل الأخضر التي يمكن توظيفها للاستثمار في التأهب والاستجابة للجوائح.

علاوة على ذلك، لأن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تواجه قيوداً مالية صارمة، فإن أي استثمارات إضافية تنفقها على أنظمة الصحة العامة والتأهب والاستجابة للجوائح يجب أن يُـعـتَـرَف بها على أنها مساهمات عينية في الصندوق المالي الوسيط (شريطة أن تكون متوافقة مع الأهداف العامة للصندوق).

ثانياً، يجب أن يستعين الصندوق المالي الوسيط بآلية تقييم، استناداً إلى مقاييس متفق عليها للتأثير الاجتماعي الاقتصادي المترتب على الاستثمارات، لضمان استخدام هذه الموارد الجديدة بشكل فعال. ويجب أن تحرص أي آلية من هذا القبيل على إعطاء المانحين الثقة في إمكانية تحقيق عائد قابل للقياس لالتزاماتهم الطويلة الأجل تجاه الصندوق المالي الوسيط.

ثالثاً، لا يجوز لتمويل الصندوق المالي الوسيط أن يتسبب في تقويض البرامج التي تعالج احتياجات الصحة العامة الملحة الأخرى. ويجب أن تكون مساهمات البلدان المرتفعة الدخل مقدمة بالإضافة إلى مساعدات التنمية الرسمية القائمة لضمان أن الصندوق المالي الوسيط لن يكون دعماً متعدياً.

أخيراً، كما أقر إعلان قادة مجموعة العشرين في روما، يجب أن يسعى الصندوق المالي الوسيط إلى تمكين الوصول الشامل والحوكمة الشاملة لضمان شرعيته في نظر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. على سبيل المثال، يجب أن تُـحـكَـم الابتكارات الصيدلانية والإنتاج الصيدلاني بما يتفق مع مبدأ المعلومات الجمعية، والذي يدعو إلى أوسع مشاركة ممكنة للمعرفة الأساسية.

يجب أن يبتعد الصندوق المالي الوسيط عن إطار المانح المستفيد العتيق وغير العادل. ويجب أن يكون التمثيل داخل البنية الحاكمة الرسمية للصندوق المالي الوسيط موزعا بالتساوي عبر البلدان ذات الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض. ومن الأهمية بمكان أيضاً إنشاء نواة من مؤسسات التنفيذ العالمية والإقليمية، مثل منظمة الصحة العالمية والمراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض، فضلاً عن تمثيل من قِـبَـل خبراء مستقلين من مختلف شرائح المجتمع.

لتجنب الخلافات البيروقراطية بين الهيئات الحاكمة العالمية، يجب أن يستضيف البنك الدولي هذا الصندوق المالي الوسيط، على أن تضطلع منظمة الصحة العالمية بدور رائد في تطوير الاستراتيجيات وتنفيذها. في الوقت ذاته، يجب أن تدرك كل من المنظمتين أن أفضل طريقة لبناء الخبرة والقدرات تتمثل في تشجيع أوسع مشاركة ممكنة من جانب جميع أصحاب المصلحة في إطار شراكات شفافة بالكامل.

يتعين على الرئاسة الإندونيسية لمجموعة العشرين هذا العام أن تضمن وصول الصندوق المالي الوسيط إلى مرحلة الإثمار. ولكن أولاً، يتعين على المجتمعين هذا الشهر في إطار اجتماعات الربيع المشتركة التي تضم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يتفقوا على التمويل والبنية، بما يضمن استيفاء الصندوق المالي الوسيط للشروط الأربعة الموضحة أعلاه.

إذا كانت جائحة مرض فيروس «كورونا» أثبتت لنا أي شيء، فهو أننا في احتياج إلى تغيير جذري في الاتجاه. إن صندوق التأهب والاستجابة للجوائح الجيد التصميم والممول بالكامل خطوة بالغة الأهمية على الطريق إلى تحقيق مهمة منظمة الصحة العالمية المتمثلة في ضمان الصحة للجميع.

 

Email