القومية وبريق الماضي..ارتباط وتشنجات

إدواردو كامبانيلا - كبير زملاء مركز موسافار رحماني لإدارة الأعمال والإدارة الحكومية في كلية كينيدي في جامعة هارفارد، وهو المؤلف المشارك (مع مارتا داسو) لكتاب «حنين الأنجلو: سياسة العاطفة في غرب متصدع» (مطبعة جامعة أكسفورد، 2019).

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل الجائحة، كان الحنين إلى الماضي من القوى الرئيسية التي تحرك السياسة العالمية. صعد دونالد ترامب إلى السلطة على وعد «بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وربح أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي معركتهم السياسية جزئياً بإضفاء الطابع المثالي على ماضي بريطانيا الإمبراطوري.. وغير ذلك الكثير من الأمثلة في دول عديدة.

توقفت هذه الميول عندما أجبرت الجائحة كثيرين على التركيز على أزمة أشد إلحاحاً. ولكن الآن بعد أن بدأت جائحة كورونا (كوفيد 19) تنحسر تدريجياً، عاد الحنين إلى الماضي بقوة، خاصة مع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتأثيراتها الكبيرة.

فعلياً، لم يكن أنصار الخروج البريطاني راغبين في قبول تحول بريطانيا إلى دولة عادية متوسطة الحجم بعد قرون من المجد الإمبراطوري.

وقد خلقت خاتمة الهيمنة الليبرالية الأمريكية الفرص لقوى ما بعد الإمبريالية مثل دول مهمة وأيضاً أخرى كالمجر، لإعادة تأكيد مكانتها المفقودة على المسرح العالمي، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة إلى حد كبير من الاقتناع والعزيمة.

وقد حاول ترامب احتواء قوى الطرد المركزي هذه بأجندته «أمريكا أولاً» التي لا يزال شبحها يطارد السياسة الأمريكية.

الواقع أن الرغبة الشديدة في العودة إلى أزمان ماضية ليست حميدة بأي حال. تشكل الاستغاثة العاطفية المنحازة تاريخياً بماضٍ رومانسي المخزون والتجارة الذي يعتمد عليه القادة المتعصبون قومياً. يتحول الحنين إلى الماضي إلى أداة للتلاعب بتصور النظام السياسي للزمن الحاضر، مما يمهد الساحة لتحولات سياسية جذرية وبالغة الخطورة غالباً.

إن إحياء لحظات المجد الماضي من الممكن أن تحفز أي نظام سياسي على اختبار الحدود، وخوض المجازفات، وتحدي النظام العالمي السائد. يرتبط الحنين إلى الماضي والقومية ببعضهما بعضاً بشكل وثيق، وخصوصاً في مجتمعات تعاني من الشيخوخة السكانية، حيث يصبح القسم الأكبر من السكان أكثر ميلاً إلى تمجيد الماضي على أنه مثالي.

كان أنصار الخروج البريطاني راغبين في العودة إلى عصر الملك إدوارد، أو على الأقل إلى سبعينيات القرن العشرين، قبل أن تنضم بريطانيا إلى المشروع الأوروبي؛ ويريد بوتين العودة إلى عصر القياصرة.

لكن سياسات الحنين تتباين بشكل كبير بين البيئات الديمقراطية والسلطوية. فقد كان لزاماً على أنصار الخروج البريطاني أن يعملوا على إقناع غالبية الناخبين بدعم قضيتهم. في الأنظمة الديمقراطية، تستطيع الأحزاب الرئيسية أن تتحدى جهود الحركات الشعبوية القائمة على الحنين إلى الماضي لاحتكار تاريخ البلد.

وبوسعها أن تواجه الحنين الاسترجاعي بالحنين الانعكاسي، مشيرة على سبيل المثال إلى حقيقة مفادها أن يد الإمبراطورية البريطانية ملطخة بالدماء. بدلاً من ذلك، ترقى استراتيجية «الآن وهنا» التكنوقراطية التي انتهجها أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي إلى جلب المخططات والرسوم البيانية القديمة إلى معركة وطنية.

في الأنظمة الاستبدادية، حيث لا تستطيع المعارضة ــ إذا كان لها وجود على الإطلاق ــ الرد بشكل صريح علني على مزاعم النظام التاريخية، يصبح الحنين إلى الماضي أشد خطورة، وخصوصاً عندما تغذي جاذبيته العاطفية الشعور الذاتي لدى القائد.

في مثل هذه الحالات، يتمثل أحد الحلول المحدودة في المشاركة الدولية مع القوى المستبعدة لمساعدتها في التخفيف من إحساسها بالخسارة. وقد يكون هذا النهج ضرورياً أيضاً لقوة عائدة مثل الصين، التي تشعر أن العالم يحرص على إبقائها مهمشة ولا يولي الاحترام الواجب لتاريخها الطويل.

ولكن على النقيض من القوى المنحدرة، تستطيع القوى الصاعدة أن تستمد العون الروحاني من الوعد باستعادة وطن مفقود.

 

Email