ثقة الناس وجوهر القانون

أنتارا هالدار - محاضرة في الدراسات القانونية التجريبية بجامعة كامبريدج

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوجب على أي مؤسسة من مؤسسات حكم القانون، ومن أجل تحقيق النجاح، أن تضع بعين الاعتبار السياق الذي تعمل من خلاله والمعرفة السابقة للمشاركين فيها، وبالتحديد يتوجب على المحكمة العليا أن تتأقلم مع تغيّر الواقع الاجتماعي والسياسي والديمغرافي في البلد الذي تخدمه، كما يجب أن تتعامل مع شعب أمريكي يشبه الفسيفساء من التجارب ووجهات النظر والتي تتطور باستمرار.

لقد جادلت الفيلسوفة مارثا سي نوسباوم بأنّ «العواطف السياسية» تعتبر حيوية بالنسبة لتماسك المجتمعات السياسية، وبالمثل فإنّ حكم القانون يعتمد على «العواطف القانونية» مثل شعور أولئك المرتبطين بنظام قانوني ما بأنه نظام فعّال بنص وروح القانون.

إنّ الغرض من القانون ليس ترهيبنا من أجل أن نطيعه، بل أن يلهمنا لنصبح مواطنين فاعلين وعليه وبقدر ما ألهمت جاكسون عامة الناس، يمكن أن يكون تعيينها في المحكمة العليا نعمة للدعم الشعبي الواسع النطاق الذي يعتمد عليه القانون في نهاية المطاف.

لقد حظيت الموافقة على تعيين كيتانجي براون جاكسون كقاضية في المحكمة العليا الأمريكية، في الفترة الفائتة، بالإشادة بسبب أن تعيينها يعتبر اختراقاً للأمريكان من أصول أفريقية وغيرهم من الأقليات وللنساء والأمهات وللمدافعين عن الحقوق العامة وحتى لأولئك الذين ذهبوا إلى المدارس العامة، ولكن الرابح الأكبر هو المحكمة العليا نفسها.

طبقاً لمؤسسة غالوب، فإنّ عدد الأمريكان غير الراضين عن المحكمة العليا يفوق حالياً عدد الأمريكان الراضين عن تلك المحكمة، ومع انخفاض ثقة الناس في هذه المؤسسة من %62 في سنة 2000 إلى %40 في سنة 2021، يحذّر الباحثون والمتخصصون في العلوم السياسية من وجود أزمة شرعية، ولكن التأييد لتعيين جاكسون وصل إلى %66 وهي أعلى نسبة يحصل عليها أي مرشح منذ أكثر من عشر سنوات.

على الرغم من أنه ليس من المفترض أن تكون المحكمة مؤسسة «شعبية»، فإنّ التصورات العامة لا تزال مهمة، لأنها تنطوي على سؤال - ولغز- عانى فلاسفة القانون لإيجاد جواب له منذ آلاف السنين وهو لماذا يطيع الناس القانون؟ أو بصياغة أخرى: ما الذي يعطي القانون - والمؤسسات القانونية - السلطة؟

لو نظرنا لتقليد القانون الطبيعي لتوماس إكيوناس لوجدنا أن القانون يمتزج مع الدين، وهكذا فإنّ القانون يستقي سلطته من المصدر نفسه، ولكن السؤال يصبح أكثر صعوبة ضمن السياق العلماني، فطبقاً للوضعيين القانونيين «الطرح الأكثر قبولاً على نطاق واسع»، فإنّ التاريخ - أو الأصل المؤسسي - للقانون هو ما يمنحه القوة ويضعه فوق أي قاعدة أو معيار. لكن هذا الطرح يخلق مشكلة تشبه مشكلة أيهما أول الدجاجة أم البيضة، لأن السؤال لا يزال كيف تصبح مؤسسة ما ذات سلطة قانونية إن لم يكن من خلال قوة القانون؟

يقر الوضعيون القانونيون أن تفسيرهم يتطلب القبول، وهذا يعني أنه بغض النظر عن النظرية القانونية التي يؤمن بها المرء، فإنّ هناك عنصراً نفسياً يعتبر ضرورياً من أجل عمل أي نظام قانوني، ومن دون قبول عدد كافٍ من الأفراد، فإن المؤسسة لن تستطيع البقاء، وهكذا فإن ثقة العامة تعتبر الجوهر الأساسي لحكم القانون.

إن تعيين جاكسون ليس مجرد انتصار طال انتظاره للأقليات، بل إنه يمثل أيضاً بداية نقلة نوعية للأغلبية. جاكسون ليست مجرد امرأة سوداء بطلة، إنها أمريكية بالكامل وكان يجب معاملتها وفقاً لذلك منذ البداية.

نحن لم نتمكن بشكل كامل من حل لغز: لماذا نطيع القانون، ولكن تعيين جاكسون يعطينا سبباً إضافياً قوياً لتحقيق ذلك.

 

Email