الوعد الزائف بالسلام الديمقراطي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك دولتان فقط في التاريخ الحديث كان لديهما مثل تلك الطموحات الكبيرة وهما بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وخلال المائة والخمسين سنة الماضية كانت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية هما البلدان الوحيدان اللذان امتدت قوتهما - الضاربة والناعمة والرسمية وغير الرسمية - لجميع أرجاء الأرض مما سمح لهما بالتطلع لعباءة روما.

عندما ورثت الولايات المتحدة الأمريكية الموقع العالمي لبريطانيا بعد سنة 1945، ورثت كذلك حس بريطانيا بالمسؤولية تجاه مستقبل النظام العالمي، ولقد تبنت أمريكا هذا الدور وأصبحت بمنزلة المبشرة بالديمقراطية، كما أصبح نشرها هدفاً مركزياً للسياسة الخارجية الأمريكية منذ سقوط الشيوعية – أحياناً من خلال تغيير النظام عندما استلزم الأمر ذلك.

إن الحجة بأن الديمقراطية هي «سلمية» بطبيعتها، كما تزعم الدول الغربية حالياً، وأن الديكتاتورية أو الاستبداد «شبيهة بالحرب»، هي حجة جذابة بشكل حدسي. إن هذه الحجة لا تنكر أن الدول تسعى لتحقيق مصالحها، ولكنها تفترض أن مصالح الدول الديمقراطية سوف تعكس قيماً مشتركة مثل حقوق الإنسان، وأن هذه المصالح ستتم متابعتها بطريقة أقل عدوانية . إن الحكومات الديمقراطية مسؤولة أمام شعوبها، وللشعب مصلحة في السلام وليس الحرب. وعلى النقيض من ذلك وطبقاً لوجهة النظر تلك، هي الحال في الدول الأخرى.

يرتكز هذا الاعتقاد على افتراضين كان لهما تأثير كبير في نظرية العلاقات الدولية، على الرغم من الأساس الضعيف لهذين الافتراضين نظرياً وتجريبياً. إن الافتراض الأول هو مفهوم أن السلوك الخارجي للدولة يحدده دستورها الداخلي، وهي وجهة نظر تتجاهل تأثير النظام الدولي على السياسة الداخلية لبلد ما، وكما أشار المتخصص في العلوم السياسية الأمريكي كينيث ن والتز في كتابه سنة 1979 نظرية السياسة الدولية فإن «الفوضى الدولية» تحدد سلوك الدول أكثر من أن سلوك الدول هو الذي يخلق مثل تلك الفوضى.

إن تصور والتز «نظرية الأنظمة العالمية» هو تصور مفيد على وجه الخصوص في عصر العولمة، حيث يتوجب على المرء النظر في تركيبة النظام الدولي من أجل «توقع» كيف سوف تتصرف كل دولة بغض النظر عن دساتيرها المحلية. لقد لاحظ والتز «إذا كانت كل دولة مستقرة تسعى فقط لتحقيق الأمن، ولم يكن لديها أي خطط بشأن جيرانها، فإن جميع الدول ستظل مع ذلك غير آمنة، وذلك لأن الوسائل المستخدمة من دولة ما لتحقيق الأمن هي بحد ذاتها وسائل يمكن استخدامها لتهديد دول أخرى».

وعلى الرغم من وجود علاقة لا يمكن إنكارها بين المؤسسات الديمقراطية والعادات السلمية، إلا أن هذا الربط كسبب مباشر هو محل جدال، فهل كانت الديمقراطية هي التي جعلت أوروبا سلمية بعد سنة 1945؟ أو أن المظلة النووية الأمريكية وتحديد الحدود من قبل المنتصرين والنمو الاقتصادي بفضل خطة مارشال هي التي أتاحت الفرصة أخيراً لأوروبا غير الشيوعية بأن تقبل الديمقراطية كقاعدة سياسية لها؟ يجادل المتخصص في العلوم السياسية مارك ي بيترزيك «فقط الدول الآمنة نسبياً – سياسياً وعسكرياً واقتصادياً - تستطيع تحمل وجود مجتمعات حرة وتعددية وأنه في غياب مثل هذا الأمن فإن الاحتمال الأكبر أن تتبنى الدول هياكل سلطة قسرية مركزية أو أن تحافظ عليها أو تعود إليها».إن أنصار التحول الديمقراطي ومن خلال إجراء مقارنات سطحية مع ألمانيا واليابان في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يستهينون بشكل صارخ بالصعوبات التي تواجه إقامة الديمقراطيات في المجتمعات التي تفتقر إلى التقاليد الدستورية الغربية.

إن الأهم من ذلك هو أن نظرية السلام الديمقراطي هي نظرية تنطوي على الكسل، فهي تقدّم تفسيراً سهلاً لسلوك «حربي» من دون الأخذ بعين الاعتبار موقع وتاريخ الدول ذات العلاقة

* عضو في مجلس اللوردات البريطاني وأستاذ فخري للاقتصاد السياسي في جامعة وارويك

Email