المستثمرون وصون البيئة.. تغيّرات وبرامج ملحّة

برتراند بادري

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو قامت جميع الشركات بتخفيض انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون بما يتوافق مع أقرانها الأكثر تقدماً، فإن الانبعاثات العالمية ستنخفض بنسبة 65 % كما ستزيد أسعار أسهم تلك الشركات بنسبة 8 % بالمعدل، وبالإضافة إلى ذلك فإن تبني أفضل الممارسات في إدارة المخلفات سوف يقلل من المخلفات العالمية بنسبة 72 % ويعطي المساهمين مكاسب غير متوقعة بنسبة 5 % بالمعدل.

ونظراً لأننا نملك الآن تلك البيانات والأدوات الجديدة، يتوجب على أنصار المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة التوقف عن المشاحنات والبدء بالإقرار أن المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة هي في واقع الأمر فرصة تجارية كبيرة، وإذا كنت مستثمراً تريد جني الأرباح، يتوجب عليك أن تتبنى المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة بشكل مدروس مع التركيز على تحسين القضايا المادية، ولو كنت ناشطاً في مجال المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة، يتوجب عليك حث المستثمرين على أداء عملهم (التقليدي) بشكل جدي، وذلك من خلال تحديد المجالات التي يؤدي فيها تعزيز الأثر الإيجابي إلى زيادة الأرباح.

إن المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة هي حديث عالم الاستثمار في هذه الأيام، ولكن على الرغم من تريليونات الدولارات من الاستثمارات، والتي تم تصنيفها على أنها مقاييس بيئية واجتماعية وتتعلق بالحوكمة، فإن هذا الشكل من الاستثمار لم يحقق بعد تأثيراً فعلياً على مستوى العالم.وهذا ينطبق على وجه الخصوص على البيئة علماً أن التأثير الاجتماعي لتلك الاستثمارات لم يكن أكثر وضوحاً.

لقد زادت تحالفات المستثمرين من أجل التصدي للتغير المناخي بشكل كبير جداً مع الوعد بتوجيه رؤوس أموال ضخمة إلى الأعمال التجارية والصناعات «الخضراء» وخلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 26) تعهدت المؤسسات المالية الخاصة بجمع مبلغ 130 تريليون دولار أمريكي - وهو رقم أكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي - من أجل الطاقة النظيفة، ومع ذلك فإن التوقعات المناخية تزداد سوءاً. لقد تضمّن التقرير الذي صدر الشهر الماضي عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «أسوأ تحذير حتى الآن» بشأن ما ينتظر البشرية على كوكب يزداد احتراراً بسرعة.

لقد أصبحنا الآن في عالم التمويه الأخضر، أي على الرغم من أن أصحاب الشركات قد التزموا بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، إلا أنهم لم يقوموا فعلياً بتوجيه أوامر لمديري تلك الشركات بعمل ذلك، ولكن بدلاً من توجيه اللوم للمستثمرين أو الشركات، يتوجب على الناشطين في مجال المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة دراسة أسباب وجود هوة كبيرة ومستمرة بين الالتزامات العامة والعمل الفعلي، وببساطة فلقد فشل الناشطون في مجال المناخ في إقناع المستثمرين والشركات بالعمل لأنهم فشلوا في فهم ما هو الشيء الذي يحرّك قطاع الأعمال في نهاية المطاف.

يجب على الناشطين في مجال المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة الإقرار بواقع المستثمرين بدلاً من محاولة التصدي له أو تغييره، وذلك نظراً لأن الشركات سوف تخضع للمساءلة من قبل المستثمرين فيها لو لم تستطع تحقيق أرباح أكثر.

وحتى تكون الجدوى الاقتصادية مقنعة، يجب أن تكون مدروسة وواقعية، وطبقاً لأبحاث أجرتها مؤسسة ارابسيك فإن «88% من دراسات الأداء العملياتي تظهر أن الممارسات القوية المرتبطة بالمقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة تؤدي إلى أداء عملياتي أفضل»، لكن بينما تنعكس المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة بشكل إيجابي على قيمة المساهمين، فإن جميع الأعمال المرتبطة بالمقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة لن تعزز الأرباح.

لذلك يجب على المستثمرين تحديد القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة «المادية» التي تؤثر بشكل مباشر على صافي أرباح الشركة.

يجب على المستثمرين أيضاً تحديد الأولويات بين مختلف مكونات المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة. إن التصنيفات البيئية والاجتماعية والحوكمة هي متوسط مرجّح لمئات المؤشرات، وحتى لو كانت جميعها مادية، فإن من غير المجدي لأي شركة أن تضع لنفسها مئات من الأهداف الجديدة وبدلاً من ذلك يتوجب على المستثمرين التركيز على المبادرات التي من شأنها تعزيز قيمة المساهمين بشكل أكبر. إن المنصات التعاونية مثل «المقاييس البيئية والاجتماعية والحوكمة للمستثمرين» تقدّم أدوات مجانية يمكن من خلالها تأطير مثل هذا النهج لأكثر من 2000 شركة.

عندما يتم اعتماد هذه المبادئ الأساسية على نطاق واسع، يمكننا البدء في إضافة المزيد من التعقيد، حيث سيكون هناك المزيد من المناقشات حول قياس وتدقيق التأثير وصياغة القواعد والمعايير بشكل أكبر وإضافة تأثير مادي غير مالي إلى هذا المزيج. إن وجود مقاربة تجارية قوية يمكن أن تطلق العنان لإمكانات المفاهيم القديمة، مما يمنحها ويمنحنا أيضاً نظرة مستقبلية واعدة على المدى الطويل.

 

* مدير إداري سابق في البنك الدولي وهو يعمل حالياً كرئيس تنفيذي ومؤسس لمؤسسة بلو لايك ان اورانج لرؤوس الأموال المستدامة، كبير مسؤولي الاستثمار في مؤسسة ارفيلا للاستثمار

Email