الاقتصاد المبدع وتجاوز جدران العقوبات

هاورد ديفيز

ت + ت - الحجم الطبيعي

من السابق للأوان تقييم تأثير العقوبات المفروضة على روسيا إثر الحرب بينها وبين أوكرانيا.

في الوقت ذاته، لن يكون تأثير العواقب الحالية المترتبة على العقوبات التي يقودها الغرب مقتصراً على الأهداف المباشرة كما تتساءل بلدان أخرى ما إذا كانت هي الأخرى قد تجد نفسها معزولة عن النظام المالي القائم على الدولار إذا تجاوزت حكوماتها أحد خطوط الولايات المتحدة الحمراء.

لا أدرى ما إذا كان هناك معادل لغوي لتعبير «الحرمان من سويفت» في اللغة الصينية. لكن تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني السابق، تحدث عن المخاطر التي تحدق بالصين من جراء العقوبات الأمريكية، ودعا إلى اتخاذ تدابير دفاعية لزيادة استخدام الرنمينبي في الأسواق العالمية.

في السنوات الأخيرة، اتخذت الصين خطوات للتخفيف من هذا الخطر. على سبيل المثال، أنشأت نظاماً خاصاً للدفع بين البنوك عبر الحدود، والذي يستخدم صيغة الرسائل ذاتها التي يستخدمها نظام سويفت، لتقديم التسويات بعملة الرنمينبي عبر الحدود بين أعضائه. وقد سجل هذا النظام نمواً سريعاً، مع بعض المشاركة النشطة من بنوك غربية كبرى، وإن كان حجم المعاملات التي أجريت عبره قبل حرب أوكرانيا أقل من 1 % من حجم المعاملات التي تتم عبر نظام سويفت. ورغم أن هذا الرقم من المرجح أن يرتفع مع سعي البنوك الروسية الممنوعة من الوصول إلى نظام سويفت إلى استخدام النظام الصيني بديلاً، فسوف تظل أحجام المعاملات أقل من أن تتسبب في إحداث فارق كبير.

تتحرك البنوك المركزية الغربية بحذر في التعامل مع العملات الرقمية، فلا يخلو الأمر من مشكلات فنية يجب حلها، فضلاً عن مخاوف خطيرة تتعلق بالخصوصية. قد لا يرحب المواطنون بفكرة أن البنك المركزي قادر على مراقبة كل قرش ينفقونه، لكن هذه الاعتبارات لا تشغل بال القائمين على بنك الشعب الصيني كثيراً. يقدم لنا تقرير حديث صادر عن مؤسسة هوفر حول آفاق الرنمينبي الرقمي وصفاً يعتبره «تعزيزاً مذهلاً للسيطرة الاستبدادية». لكن من منظور غربي، تُعَـد التداعيات الدولية أشد خطورة من قضايا السيطرة الداخلية.

الواقع أن الريادة الصينية في مجال العملات الرقمية قد تزيد بشكل كبير من استخدام الرنمينبي عبر الحدود، والآن يجري «تشجيع» البلدان المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية على استخدامه. يزعم تقرير مؤسسة هوفر، الذي كُـتِـب قبل الحرب في أوكرانيا مباشرة، أن قدرة الولايات المتحدة على توظيف العقوبات المالية بفعالية ستتضاءل إذا نجحت الصين في تعزيز «فرض اليوان» (وهو تعبير آخر جديد) على تدفقات التجارة العالمية من خلال عملتها الرقمية.

الواقع أن الولايات المتحدة متقدمة بشكل كبير في تطوير العملات الرقمية المشفرة الخاصة والترويج لها، وهي أدوات مضاربة ذات تكاليف معاملات عالية توفر إمكانية تحقيق عوائد أعلى للمضاربين المخضرمين.

بطبيعة الحال، توقع كثيرون موت الدولار مراراً وتكراراً من قبل، وعلى الرغم من هبوط حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية من 71% في عام 2000 إلى أقل من 60% اليوم، فإن إشارات قليلة تدلل حالياً على زواله. لكن الاستخدام المتزايد للعقوبات المالية كسلاح حرب أوجد حافزاً جديداً للصين وغيرها من البلدان لاستكشاف الطرق الكفيلة بالحد من التأثير في حال استخدام تدابير مماثلة ضدها. وقد تكون العواقب الأبعد أمداً على النظام المالي العالمي بعيدة المدى.

 

*رئيس مجلس إدارة مجموعة «نات ويست» (NatWest)

Email