أمريكا وإنتاج الغاز الطبيعي.. آفاق وتوقعات

نِـك بتلر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، برزت مواقف عالمية متنوعة. وفي الخصوص، أنشأ الاتحاد الأوروبي مؤخراً وكالة جديدة لشراء الغاز نيابة عن الدول الأعضاء السبع والعشرين. وسوف تأتي أولى مشترياتها المشتركة، لنحو 15 مليار متر مكعب من الغاز هذا العام، من الولايات المتحدة في هيئة غاز طبيعي مُـسال. لكن هذه ليست سوى البداية.

لا تستطيع أوروبا أن تتحول بسرعة بعيداً عن الغاز الروسي، وخاصة في القطاع الصناعي. سوف تؤدي الحرب إلى استحثاث جهود مكثفة لتطوير المزيد من مزارع الرياح ومنشآت الطاقة الشمسية في مختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي. لكن الطاقة المتجددة تتطلب إدخال تحسينات نوعية على البنية الأساسية، الأمر الذي سيستغرق بعض الوقت للتمويل والتنفيذ. وإلى أن تسمح تكنولوجيا تصنيع البطاريات بتخزين الطاقة بكميات كبيرة، ستحتاج أوروبا إلى محطات تعمل بإحراق الغاز لتوفير الإمداد من الطاقة الاحتياطية في الأيام عندما يتوقف هبوب الرياح وتغيب أشعة الشمس.

حتى مع وجود 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الـمُـسال من الولايات المتحدة، ستظل أوروبا في احتياج إلى 140 مليار متر مكعب أخرى للتعويض عن توقف وارداتها من الغاز الروسي تماماً. يجب أن تأتي هذه الإمدادات من سوق عالمية كانت منهكة بالفعل. وسوف يضيف الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي غير الروسي إلى الضغوط على الأسعار في الدول التي تعتمد على الواردات ــ وخاصة الصين أكبر مستورد للغاز في العالم.

على الرغم من عدم وجود نقص في الغاز في باطن الأرض، فإن تطوير هذه الموارد وجلبها إلى السوق قد يستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات ــ أو أكثر إذا دعت الحاجة إلى إنشاء مرافق إسالة الغاز الطبيعي المعقدة. وسوف تحفز الحرب تطوير حقول غاز جديدة، وخاصة في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. لكن في الوقت الحالي، لا يوجد سوى مصدر وحيد متاح بسهولة لإمدادات إضافية كبيرة: الولايات المتحدة.

مع ذلك، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في أن تضطلع بدور ملاذ وضمانة العالم كمورد للغاز ــ ذات الدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في سوق النفط العالمية. من منظور صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة وبعض الساسة، تمثل صادرات الغاز استجابة منطقية للاحتياجات العالمية ومصدراً جديداً مرغوباً للإيرادات والوظائف بعد سنوات عجاف عديدة. وهم يرون أن طفرة جديدة في موارد «الطفل الصخري» تلوح في الأفق، لأن قسماً كبيراً من صادرات الغاز الأمريكية المحتملة ستأتي كمنتج ثانوي لعمليات تطوير النفط الصخري.

ولكن من منظور آخرين، يمثل الترويج للغاز لأغراض التصدير عودة غير مرغوب فيها إلى الاقتصاد القائم على المواد الهيدروكربونية. سوف يعمل الغاز الذي تصدره الولايات المتحدة في هيئة غاز طبيعي مُـسال على توليد الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، مما يضيف إلى الإجمالي العالمي الذي عاد بالفعل إلى مستويات ما قبل الجائحة ولا يزال في ارتفاع.

ثم هناك أولئك الذين يسلطون الضوء على الخطر المتمثل في تسبب الصادرات المتزايدة في سحب إمدادات الغاز، من الولايات المتحدة في وقت حيث ترتفع بسرعة أسعار المستهلك. أصبحت أمريكا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من النفط والغاز بفضل النفط الصخري، ومن غير المؤكد ما إذا كان تحول الولايات المتحدة إلى أكبر مصدر للغاز في العالم ينطوي على أي قدر كبير من الجاذبية.

سيكون من الصعب على الرئيس الأمريكي جو بايدن التوفيق بين هذه الآراء المختلفة. فقد توقفت في الكونجرس، أو جرى تقليص حجمها وتأثيرها المحتمل، كل المبادرات التشريعية الكبرى التي قدمتها إدارته للحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي وتشجيع الطاقة النظيفة. وتُـعـرِب جماعات الضغط البيئية، التي تشكل جزءاً مهماً من قاعدة التصويت لصالح الحزب الديمقراطي، عن خيبة رجائها بالفعل إزاء الافتقار إلى إحراز أي تقدم، وسط مخاوف من أن يفقد الديمقراطيون السيطرة على الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر.

لقد أعادت حرب روسيا وأوكرانيا أمن الطاقة إلى قمة الأجندة السياسية على ضفتي الأطلسي. وقد تكون الاختيارات التي تواجه قادة الولايات المتحدة وأوروبا الآن غير مريحة، لكنها أيضاً مُـلحة ولا مفر منها.

 

* أستاذ زائر في كلية الملك في لندن (King’s College London)، والرئيس المؤسس لمعهد كِـنجز للسياسات (Kings Policy Institute)، ورئيس شركة Promus Associates.

Email