الأطفال الفقراء وأزمة الغذاء الوشيكة

بينيام بيداسو

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد عالمنا اضطرابات كثيرة مصيرها أن تهدد نظام الغذاء العالمي، وذلك من خلال ما سينتج عن ذلك من ارتفاع كبير في تكلفة المواد الغذائية الأساسية والطاقة اللازمة لنقلها. وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل نتيجة حدوث اختلالات في السوق بعد الجائحة والضغوط التي تفرضها سلسلة التوريد، إلى جانب خسائر الإنتاج المرتبطة بالمناخ. فبحلول نهاية العام الماضي، أدت أزمة القمح والذرة في السوق العالمية إلى ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية في أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة % 11. والآن، تواجه البلدان الفقيرة صدمة أخرى في ظروف لا تُمَكِّنها من استيعابها.

وحتى قبل الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة «كوفيد 19»، خصصت الأسر الضعيفة في البلدان النامية حصة كبيرة من ميزانياتها لتمويل الغذاء. ويمكن أن تؤدي الزيادات الإضافية في تكلفة الغذاء إلى معاناة الأطفال في هذه الأسر من خسائر غذائية كبيرة لا يمكن التعويض عنها.

ولحسن الحظ، تمتلك معظم البلدان أداة مجربة ومختبرة لحماية أطفالها الأشد ضعفاً في هذه الظروف. وتعتبر برامج الوجبات المدرسية أكبر شبكة أمان اجتماعي في العالم. فقبل الوباء، وصلت هذه البرامج إلى 388 مليون طفل في 161 دولة.

وفي سياق ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، يمكن أن يؤدي شراء الطعام بالجملة وإعداد الوجبات في المدرسة إلى تحقيق وفورات الحجم والكفاءة التي تسهم في خفض التكلفة الإجمالية. وقد أظهرت دراسة حديثة تستند إلى البرنامج الوطني للغذاء المدرسي في الولايات المتحدة أن برامج التغذية المدرسية تسهم في خفض الأسعار في حوانيت البقالة، عن طريق تقليل شراء الأفراد للمواد الغذائية.

ويجب أن تعمل البلدان المعرضة للآثار السلبية للاضطرابات الحالية في أسواق الغذاء والطاقة أن تعمل على تعزيز مثل هذه البرامج. ولكن الاستمرار في تقديم وجبات مدرسية مغذية لجزء كبير من الطلاب يمكن أن يكون باهظ التكلفة بالنسبة للبلدان ذات الموارد المحدودة.

ومن أول الإجراءات التي يمكن أن تتخذها البلدان لتحقيق الاستقرار في برامج الوجبات المدرسية وربما توسيعها هو تحسين الكفاءة وضمان المساءلة في الخطط الحالية. إذ شهدت البلدان النامية العديد من مبادرات القطاع العام النبيلة التي بدأت بوعود كبيرة، لكنها استسلمت في النهاية لسوء الإدارة وتراجع ثقة الناس.

وتتضمن برامج الوجبات المدرسية عمليات شراء عامة واسعة النطاق، وهو مجال تعاني فيه العديد من البلدان النامية من نقاط ضعف كبيرة. وللمساعدة في الحفاظ على النزاهة التنظيمية والمالية، ينبغي للمسؤولين الالتزام بإخضاع مثل هذه البرامج لعمليات تدقيق روتينية مستقلة.

ويعد الاستهداف الفعال أمراً بالغ الأهمية أيضاً، لا سيما في وقت يشهد ارتفاع الأسعار العالمية، ويمكن أن يكون ما حُقق فيه من مكاسب في مجال تحسين الموارد الحالية محدودة.

كما ينبغي أن يقترن تشجيع الحكومات على تحسين برامج الوجبات المدرسية بدعم من شركاء التنمية لتوفير الإغاثة المالية، لا سيما في ضوء أزمة الديون التي تلوح في الأفق، والتي تهدد عدداً من البلدان.

وتتمثل إحدى طرق المجتمع الدولي لمساعدة البلدان التي تكافح الأزمات المزدوجة المتمثلة في تضخم الغذاء والديون المفرطة، في تعزيز مقايضات الديون مقابل التنمية. وعلى الرغم من أن عملية التفاوض بشأن هذه المقايضات بطيئة للغاية في ما يتعلق بتلبية الاحتياجات في حالات الطوارئ، إلا أنه يمكنها أن تكون أداة قوية لتسهيل تخصيص المزيد من الموارد على المدى الطويل لتعزيز برامج الوجبات المدرسية في البلدان المثقلة بالديون.

ونظراً لأن الأزمات الجيوسياسية والكوارث المناخية تهيمن على عناوين الأخبار، فإن جيلاً كاملاً من الأطفال الفقراء والضعفاء في أماكن بعيدة عن الأضواء، قد يقعون ضحية الإهمال. إن إبقاء هؤلاء الأطفال في المدرسة وإطعامهم جيداً هو أقل ما يمكن أن يفعله المجتمع العالمي لإعدادهم لمستقبل غامض.

 

* كبير الباحثين المشاركين في مركز التنمية العالمية

Email