الاستجابة غير المنصفة في توزيع اللقاحات

صفورا عبدالكريم

ت + ت - الحجم الطبيعي

قدّم رد فعل حكومات شمال الكرة الأرضية على اكتشاف المتحور أوميكرون في جنوب أفريقيا دليلاً آخر ــ كما لو كان ينقصنا مزيد من الأدلة ــ على الاستجابة غير المنصفة إلى حد كبير في مواجهة جائحة (كوفيد 19). جاء رد الفعل العنيف ضد البلدان الأفريقية سريعاً وشديداً، كما لو أن منع المسافرين من المنطقة سيحافظ بطريقة ما على سلامة بقية العالم.

لم ينجح هذا الإجراء سابقاً، ولن ينجح إغلاق الحدود عند ظهور المتحور المخيف التالي.

في الواقع، لقد تبين لنا أن أوجه الظلم على الصعيد العالمي شديدة الإضرار بالصحة العامة.

على الرغم من تطعيم أكثر من نصف سكان العالم ضد (كوفيد 19) حتى الآن، إلا أنه لم يتلق سوى 8% فقط من سكان البلدان المنخفضة الدخل جرعة واحدة من اللقاح، مقارنة بنسبة 48% في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، ومعدلات أعلى من ذلك كثيراً في البلدان ذات الدخل المرتفع. وليس من المستغرب أن يستمر ظهور وانتشار متحورات مثيرة للقلق بوتيرة سريعة في البلدان، حيث معدلات التطعيم منخفضة. هذا التفاوت ليس من قبيل الصدفة، فهو نتيجة مباشرة للسياسات القومية، وممارسات تكديس اللقاحات من قبل الدول الغنية.

حتى قبل أن تصبح اللقاحات متاحة، حذر العديد من الخبراء، بمن فيهم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، من عواقب قومية اللقاحات، وعلى الرغم من ذلك، احتكرت الدول الغنية إمدادات اللقاحات، وفي بعض الحالات اشترت كميات من الجرعات تكفي لتطعيم سكانها تسع مرات.

هذا الصيف بدا أن هذا التيار يتراجع. في يونيو تعهدت البلدان الأعضاء في مجموعة السبع بالتبرع بالجرعات الزائدة لديها إلى البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى إما بصورة مباشرة وإما من خلال آليات مثل مرفق الوصول العالمي إلى اللقاحات (كوفاكس). ومع تزايد عدد الحاصلين على التطعيم في البلدان الغنية، كان يحدونا بعض الأمل في أن تنتهي قومية اللقاحات وعمليات التخزين، وأن تشق الجرعات طريقها أخيراً إلى البلدان التي هي في أمسّ الحاجة إليها، لكن في الأشهر القليلة الماضية، أصبح من الواضح أن قومية اللقاحات لم تنته بعد، بل تحورت.

بدأت الدول الغنية مثل الولايات المتحدة في الضغط من أجل إعطاء جرعات إضافية من بعض اللقاحات حتى قبل أن يتوفر دليل يدعم استخدام الجرعات المعزِّزة.

سارعت شركات الأدوية والحكومات الثرية إلى إلقاء اللوم على تردد سكان البلدان الفقيرة في الحصول على اللقاحات، وتخلف أنظمة تقديم الرعاية الصحية، لتبرير انخفاض معدلات التطعيم في هذه البلدان.

عملت الدول الغنية أيضاً على الترويج لرواية مفادها أن الحكومات الأفريقية تفتقر إلى البنية التحتية والقدرة على إعطاء الجرعات التي حصلت عليها،.

هذه المناورات، التي تهدف إلى تجنب المسؤولية، تخفي حقيقة مفادها أن انخفاض معدلات التطعيم في أفريقيا هو نتيجة مباشرة لتكديس اللقاحات في البلدان الغنية والسياسات القومية.

من الواضح أن أوجه التفاوت في الحصول على اللقاحات ليست من قبيل الصدفة، ولكنها نتيجة لجهود متضافرة من قبل الدول الغنية للإبقاء على إمدادات اللقاح داخل حدودها، ومن قبل شركات الأدوية لزيادة أرباحها. لقد حان الوقت لأن تتشارك حكومات البلدان الغنية، وشركات الأدوية التي تخدم مصالحها، جرعات اللقاح على نحو منصف مع بقية العالم، ودعونا لا ننسى أن لا أحد في مأمن حتى يتمكن الجميع من الوصول إلى لقاح (كوفيد 19).

 

* محامية الصحة العامة في جامعة كوازولو ـ ناتال، وعضو التحالف الأفريقي لتوصيل اللقاحات.

Email