ريو دي جانيرو ومعضلات تنظيم الأحياء الفقيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن ثاني أكبر مدينة في البرازيل ربما ترسم حالياً مستقبل التخطيط الحضري. لكننا لن نجد هذا المستقبل في المنطقة الواقعة على طول الواجهة البحرية المتلألئة لضاحية إيبانيما التي يطل عليها بعض من أغلى العقارات في أمريكا اللاتينية.

ولن نجده في منطقة سنترو، التي جرى تجديدها لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية في عام 2016 والتي أصبحت الآن المحور الأساسي في خطة رئيسية للتخطيط الحضري. لإلقاء نظرة على مستقبل المدن، ما علينا إلا أن نسافر عبر بحيرة رودريغو دي فريتاس إلى أن نصل إلى حي حديقة النباتات، ثم ننظر إلى التلال، حيث تجثم منطقة روسينها على نحو لا يخلو من خطورة بالغة على المنحدرات.

لقد تسارعت وتيرة التوسع الحضري في مختلف أنحاء العالم بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ففي مختلف أنحاء الكوكب، يُـبنى ما يعادل لندن الجديدة كل سبعة أسابيع. يتألف هذا النمو الهائل غالباً من «أحياء عشوائية». في البرازيل، تسمى favelas (أحياء فقيرة أو مدن أكواخ).

وتُـعَـد منطقة روسينها من الأحياء الفقيرة العديدة التي تنتشر عبر تضاريس ريو دي جانيرو غير المستوية، وهي موطن لنحو 100 ألف إلى 200 ألف نسمة، اعتماداً على ثقتك في أي من التقديرين.

ظهرت الأحياء الفقيرة في أواخر القرن التاسع عشر. ولعقود من الزمن، اتفق الساسة والمخططون الحضريون على حل بسيط ووحشي للأحياء الفقيرة: هدمها وإعادة بنائها من الـصِـفر.

بعد مرور عشرين عاماً على نجاح نماذج عديدة في الخصوص، بدأ مفوض تخطيط مدينة ريو، واشنطن فاجاردو، يتساءل ما إذا كان من الممكن تطوير «نموذج ريو» للقرن الحادي والعشرين. أطلق فاجاردو مشروعاً لتحديث روسينها يستخدم التكنولوجيا الرقمية لتحسين العلاقة بين الناس والمدن.

تستند الفكرة إلى توظيف تكنولوجيا المسح الثلاثي الأبعاد، الذي يُـسـتَـخـدَم الآن على نحو متزايد في قطاعات التخطيط الحضري والبناء، لإنشاء خرائط دقيقة أولية لمنطقة روسينها.

لا شك أن النسق المعقد غير المنتظم الذي تتسم به الأحياء الفقيرة من شأنه أن يجعل هذه المهمة مستحيلة باستخدام أدوات رسم الخرائط التقليدية. لكن وسائل المسح بالليزر LiDAR وبنوك البيانات الرقمية من الممكن أن تساعد في قياس مئات الآلاف من النقاط في الثانية الواحدة، وكل منها دقيقة في حدود الملليمترات.

يُـعَـد تخطيط روسينها خطوة أولى بالغة الأهمية في مجموعة كبيرة من مشاريع التجديد الحضري. إن التوصل إلى فهم دقيق للمكان شرط أساسي لربط المنطقة بالبينة الأساسية الحضرية مثل الكهرباء وأنابيب المياه والصرف الصحي.

تساعد الخطط الخاصة برسم خريطة لمنطقة روسينها أيضا في ضمان الاعتراف بسكانها كمواطنين كاملي الأهلية.. باختصار، من الممكن أن يساعد المسح الثلاثي الأبعاد في إخراج الأحياء الفقيرة، بكل مزالقها وإمكاناتها، من الظلمات إلى النور.

الحق أن التجربة تحرز تقدماً ملموساً، ولن تتضح آثارها إلا بمرور الوقت. ولكن إذا نجح هذا البرنامج فهو قادر على توفير إمكانات جديدة لمدن الغد.

وقد يُـظـهِـر تجديد روسينها إمكانية التوليف بين نمطين خالدين من التوسع الحضري: التخطيط من القمة إلى القاعدة من قِـبَـل متخصصين محترفين والبناء اللامركزي من القاعدة إلى القمة من جانب سكان دؤوبين متفائلين يدفعهم الأمل. ذات يوم، قد تعزز هذه القوى بعضها بعضاً، على المنحدرات المشمسة في ريو دي جانيرو، حيث تضرب الأحياء الفقيرة ــ بأشجارها وأحيائها ــ بجذور عميقة في الأرض.

* مدير مختبر سينسبل سيتي (Senseable City Lab) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو المؤسس المشارك لمكتب التصميم والإبداع الدولي Carlo Ratti Associati

 

Email