التدمير الإبداعي

روبرت سكيدلسكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في روايتها البائسة، Oryx and Crake، التي صدرت عام 2003، تصف «مارغريت أتوود» قرصاً يسمى BlyssPluss (بليس بلاس) يجعل الجميع سعداء ويقضي على الأمراض. لكن استخدام الأقراص على نطاق واسع سيضر بأرباح شركات الأدوية، لذا تدفع الشركات لشركة HelthWyzer (هيلث وايزر) وهي شركة تطور الأدوية، لإصابة المستخدمين عن طريق إدخال فيروس في الأقراص. ويمكن لشركة «هيلث وايزر» بعد ذلك مضاعفة أرباحها عن طريق بيع الترياق. ويوضح العالِم «كريك» أن «أفضل الأمراض، من وجهة نظر الشركات، هي تلك التي تسبب الأمراض المزمنة».

لذلك، فإن مرض كريك «المثالي» هو الذي يحفز إنتاج الترياق وبيعه. ومن النتائج المؤسفة لخطة العمل الداهية هذه هي موت معظم سكان العالم.

إن الفكر الاستفزازي هنا هو تعمد الشر لإنتاج الخير. وهذا مشابه لفكرة اقتصادي التنمية الشهير «ألبرت أو. هيرشمان» عن الأزمات «المثلى» - عميقة بما يكفي لتحريك التقدم، ولكنها ليست عميقة لدرجة أنها تقضي على وسائل تحقيقه. ودعم «هيرشمان» المشاريع التي كان يَعتقد أنها من المحتمل أن تفشل، بهدف خلق «نقاط ضغط» لإدخال تحسينات معينة.

وكل هذا يقود المرء إلى التساؤل عن معنى الأحداث المتطرفة التي يتوقع الكثيرون حدوثها في القرن المقبل نتيجة تغير المناخ.

إن مصدر هذه التخمينات، التدمير الإبداعي، ولكن التعبير النهائي عن هذه الفكرة هي شخصية «فرواست» للكاتب والشاعر غوثي .

هل سيكون هذا إذاً هو الهدف من الأحداث المناخية المتطرفة التي من المحتمل أن تصيبنا؟ على أي حال، بالكاد هناك اليوم من يعتقد بصدق أن العالم إما سوف يفي بالأهداف التي حددها مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الأخير «كوب26».

في كتابه الأخير Decarbonomics & The Post-Pandemic World، يتوقع الخبير الاقتصادي «تشارلز دوماس» سلسلة من الأحداث المتطرفة المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة. وإذا استقر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2025، يمكننا توقع تصحر أسرع في أمريكا الشمالية وأفريقيا.

وفي السيناريو الثاني، ستتجاوز الزيادة في درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية. ونتيجة لذلك، ستتسع صحراء جوبي، وستقضي على المحاريات، وسيصبح البحر الأبيض المتوسط جافاً، مع اندلاع حرائق الغابات باستمرار، بالإضافة إلى ذلك، ستغرق ميامي، ووسط لندن، وجزء كبير من مانهاتن، وشنغهاي، ومومباي، وبانكوك تحت الماء.

والسيناريو الثالث لـ«دوماس» هو أكثر تطرفاً، إذ سيتحول جزء كبير من جنوب أفريقيا وحوض الأمازون إلى صحراء، وسيذوب جليد جبال الهيمالايا في شمال الهند وباكستان، وستشتد العواصف باستمرار، وسيؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى إغراق مدن نيويورك، ولندن، وهولندا، وأستراليا.

ولا يجب أن تكون مثل هذه الأحداث الكارثية حكماً إلهياً لتكون بمثابة دعوات إيقاظ ضرورية. إذ في حين كان مفكرو التنوير يؤمنون بالتقدم الخطي للعقل البشري، فإن الوصول إلى حالات أعلى من التفكير والسلوك قد يعتمد جزئياً على الأحداث المتطرفة.

ولكن هذا بعيد كل البعد عن القول بأنه يجب علينا تعمد الشر من أجل تحقيق الخير، كما اعتقدت شركات الأدوية أنها كانت تفعل في رواية «أتوود». ولسبب واحد وهو أنه من المستحيل معايرة الأزمات «المثلى».

 

*عضو مجلس اللوردات البريطاني، والأستاذ الفخري للاقتصاد السياسي بجامعة وارويك.

Email