فرض ضريبة على المصداقية الاقتصادية

مايكل جيه. بوسكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد ولت الأيام عندما كان القادة السياسيون يرون أن المصداقية هي أثمن ما يمتلكون من أصول، فأصبحوا منفصلين على نحو متزايد عن فهم الناخبين في الواقع.

التفسيرات وراء هذا متعددة، أولاً، تحابي بيئة الاتصال اليوم التصريحات المتطرفة على حساب التحليل المدروس الهادئ القائم على الحقائق، وفي مجتمع مستقطب، أصبح الساسة أكثر اهتماماً بإرضاء قاعدتهم المتطرفة من تقديم الاعتدال أو التسوية.

ثانياً، تنقلب التوقعات على نحو مأساوي في بعض الأحيان.

لم يكن الادعاء بأن «التضخم مؤقت» غير معقول في البداية؛ لكنه أصبح أكثر التباساً مع مرور كل شهر، ويرجع هذا جزئياً إلى حقيقة، مفادها أن فهم الرأي العام لهذا المصطلح يختلف عن فهم أهل الاقتصاد له.

من منظور الناخب العادي تعني كلمة مؤقت شيئاً «سريع الزوال»، وهو وصف لا يتناسب مع مشكلة ليست مستمرة فحسب، بل تتفاقم سوءاً أيضاً. في مناسبة شهيرة، لاحظ أسطورة رياضة البيسبول الأمريكي يوجي بيرا أن التنبؤ بشيء ما أمر صعب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل، الواقع أن حتى محاولة وصف الظروف الحالية قد تكون مضللة، لأن البيانات الاقتصادية يجب أن تخضع أحياناً لمراجعة جوهرية.

ثالثاً، يكره القادة السياسيون أن يكونوا حاملي الأخبار السيئة، ويفضلون إلقاء اللوم فيما يخص المشاكل على خصومهم أو بعض المنغصات السياسية مثل صناعة النفط والغاز.

يعكس الفشل في الانتباه إلى هذه الحقيقة أُمّـية اقتصادية واسعة الانتشار، وهذا هو السبب الرابع وراء الوضع الحالي.

لنتأمل هنا مسألة التضخم. من منظور أهل الاقتصاد، والوكالات الإحصائية، والبنوك المركزية، ووزارات المالية، يعني التضخم أن الأسعار تتجه نحو الارتفاع، لكن في نظر عامة الناس، يعني التضخم ضمناً أن الأسعار مرتفعة بشكل غير مريح بالنسبة لميزانيات الأفراد، لنفترض أن زيادة بمقدار %6.8 على أساس سنوي في مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة انخفضت إلى الـصِـفر على مدار الأشهر الـ12 التالية، سيظل كثيرون من الناس يشعرون أن التضخم ليس تحت السيطرة، لأن الزيادة السابقة في الأسعار لم تكن لتنعكس في الاتجاه الآخر.

أو لنتأمل هنا كيفية تعريف أهل الاقتصاد والوكالات الإحصائية للركود. بصرف النظر عن المسائل الفنية، يعني الركود أن الاقتصاد ينكمش ــ ومن هنا جاءت القاعدة المفرطة التبسيط القائمة على الخبرة التي تقول إن الركود يحدث عندما يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل تبعاً للتضخم) سلبياً لمدة ربعين متعاقبين، وعلى هذا فإن الركود ينتهي عندما يبدأ الاقتصاد في النمو مرة أخرى، لكن الركود من منظور الشخص العادي لا ينتهي حقاً قبل أن تعود الأوقات الرخية والوظائف الوفيرة، لهذا السبب يُـعَـد التعافي الاقتصادي البطيء حدثاً مؤلماً لمن هم في السلطة.

كذلك، يشكل الفارق بين الصافي والإجمالي مصدراً متكرراً آخر للارتباك والخلط.

يتلخص مثال آخر في أساليب الاحتيال المرتبطة بحسابات الميزانية، والتي تستخدم لإخفاء التكاليف الحقيقية المترتبة على تشريعات مثل مشروع قانون الرئيس الأمريكي جو بايدن «إعادة البناء على نحو أفضل». بحشر أكبر عدد ممكن من السياسات «التقدمية» في نافذة ميزانية لعشر سنوات بقيمة 1.75 تريليون دولار، من المفترض أن تنتهي العديد من الفوائد بعد فترة قصيرة، النتيجة الضمنية هنا هي أن البرامج التي تدوم لمدة عام واحد، أو ثلاثة أعوام، أو ستة أعوام، ستغطي تكاليفها زيادات ضريبية لمدة عشر سنوات.

الديمقراطيون ليسوا وحدهم في استخدام حيل الموازنة. عندما عجز ديفيد ستوكمان، مدير الميزانية في عهد ريجان عن الحصول على القدر الكافي من تخفيضات الإنفاق، لتلبية بنود قانون يشترط أن تُـظـهِـر توقعات الميزانية موازنة منضبطة لبضع سنوات، لجأ إلى إضافة العلامة النجمية الشهيرة: «على أن يجري اتخاذ القرار بشأن تخفيضات الإنفاق في وقت لاحق».

لا يخلو الأمر أيضاً من تفسيرات مختلفة للآفاق الزمنية القصيرة والطويلة. يقيس أهل الاقتصاد الأمد القريب بأرباع السنة أو سنة كاملة أو سنتين؛ لكن في نظر عامة الناس، يعني الأمد القريب أسابيع ــ أو بضعة أشهر في أبعد تقدير.

الحق أن القادة السياسيين في أمريكا وأوروبا يستشعرون الضغوط التي تحملهم على الالتفاف على قوانين الاقتصاد أو حتى قوانين عِـلم الحساب ــ كما فعل بايدن عندما ادّعى أن مشروع قانونه لإعادة البناء على نحو أفضل لا يكلف شيئاً. أياً كانت الميزة المؤقتة التي يجلبها هذا التكتيك، فإن تآكل المصداقية الناجم عن ذلك يعود في النهاية ليطارد القادة السياسيين من مختلف الأطياف، ويصدق هذا بشكل خاص عندما يكون الساسة في أشد الحاجة إلى الدعم العام، كما اعتاد صديقي جورج شولتز أن يقول، فإن «الثقة هي عملة المملكة».

 

* أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وكبير زملاء مؤسسة هوفر، وكان رئيساً لمجلس مستشاري الرئيس جورج بوش الأب للشؤون الاقتصادية خلال الفترة من 1989 إلى 1993.

opinion@albayan.ae

Email