أهمية دور أوروبا السياسي والعلمي والبيئي

كمال درويش

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا نبالغ إن قلنا، إن الاتحاد الأوروبي هو الأقدر حالياً، بموازاة تعزيز وضمان فاعلية جهود حماية المناخ، على توجيه دفة التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج مثل الحوسبة الكمية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، لتكون آمنة وإيجابية غير مهددة لسلام واستقرار عالمنا. فعلى الرغم من أن هذه الابتكارات تُتيح للبشرية فرصاً هائلة لعيش حياة أطول ورفاهية أكبر، إلا أنها تنطوي أيضاً على مخاطر وجودية مماثلة لتلك التي تفرضها الأسلحة النووية وتغير المناخ. بوسع أوروبا أن تتولى القيادة في هذا المجال، كما فعلت في مجال المناخ. وعلى وجه الخصوص، يتعين عليها أن تحذر باستمرار من هذه المخاطر، وأن تساعد في تصميم قواعد ومعاهدات جديدة تشبه معاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية التي ساعدت سابقاً في حماية العالم من حرب نووية مُدمرة. يمكنها القيام بذلك في حين تعمل على حماية القيم الديمقراطية الليبرالية الأساسية ضد إساءة استخدام هذه التكنولوجيات، ليس فقط من قبل الدول، ولكن أيضاً من قبل الشركات الخاصة العملاقة.

في قراءة مراحل التاريخ الفاصلة، نتثبت من أهمية الدور الاوروبي عالمياً، فقد أثبتت ألمانيا- وأوروبا الغربية عموماً - أنه كان من الممكن تحقيق ديمقراطية ليبرالية، واقتصاد السوق المتنامي، وسياسات تعمل على إعادة توزيع الدخل، وتوفير الحماية الاجتماعية الشاملة بشكل فعال. فقد أدى نجاح نموذج السلام واقتصاد السوق الاجتماعي في أوروبا الغربية، بقدر ضعف النظام السوفييتي، إلى الهزيمة الإيديولوجية للشيوعية وانهيارها في نهاية المطاف.

اليوم، في ظل التحديات الهائلة التي يواجهها العالم، هناك «مهمتان» عالميتان يمكن لأوروبا أن تتبناهما، تماشياً مع تاريخها بعد الحرب : المهمة الأولى تتعلق بأزمة تغير المناخ والثانية جوهرها ضمان رسوخ السلام العالمي.

لقد نجحت أوروبا منذ عام 1945 في تحقيق «مشروعها للسلام»، الأمر الذي جعل الحرب بين الخصوم القاريين القدامى أمراً لا يمكن تصوره، ويمكن القول إنه نجح في التوصل إلى «السلام الدائم» داخل أراضي الاتحاد، حسب مفهوم الفيلسوف كانط. يجب ان نتذكر هنا أهمية وثقل أوروبا، فمثلاً كان نجاح اقتصاد السوق الاجتماعي في أوروبا الغربية سبباً رئيسياً لفشل الكتلة السوفييتية. ولم يكن هذا أكثر وضوحاً مما كان عليه في المنافسة بين ألمانيا الغربية والشرقية.

وأما على صعيد حماية البيئة فهناك دور مهم ونوعي لأوروبا، لا بد ان تقوم به بجدارة وقوة، فصحيح أن مؤتمر الأمم المتحدة الأخير المعني بتغير المناخ (كوب 26) الذي انعقد في غلاسكو أنتج تعهدات جديدة ملحوظة من قبل البلدان وتحالفات الجهات الفاعلة الخاصة. ومع ذلك، نظراً إلى النتائج التي توصل إليها تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يجب التركيز على جهود التخفيف الطموحة الرامية إلى الحد من آثار تغير المناخ في هذا العقد. يُشكل المسار الفعلي نحو عالم خالٍ من الكربون أهمية حاسمة، بدلاً من التعهدات المتعلقة بمنتصف القرن.

واضح جداً أنه يمكن أن يكون لأوروبا تأثير إيجابي على السياسات المناخية الأمريكية والصينية، لاسيما من خلال آلية تعديل حدود الكربون المُنفذة بعناية والتي تفرض ضريبة على الواردات التي تستهلك الكربون بكثافة إلى الاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن يكون لها تأثير أكثر حسماً على تعبئة الموارد المطلوبة للأسواق الناشئة من خلال دعم الزيادات في رأس المال للبنوك الإنمائية المتعددة الأطراف التي تمتلك فيها الدول الأوروبية مساهمات ضخمة.

 

* وزير سابق للشؤون الاقتصادية في تركيا ومسؤول عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وزميل أول في معهد بروكينغز.

Email