حيوية الجامعات وانفتاحها العالمي ضمانة للتقدم والتطور

إميلي ليفين

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن القيم العالمية للتعليم العالي في الولايات المتحدة الامريكية، تتراجع في مواجهة موجة متصاعدة من المناطقية، حيث يستمر التراجع في أعداد الطلبة الأجانب في الجامعات الأمريكية، بينما يتم إعادة تنظيم أو إغلاق فروع الجامعات الأمريكية بالخارج. إن هذا التوجه سوف تكون له أبعاد لا تبشّر بالخير، وهذا لن يقتصر على التعليم والأبحاث.

تقف الجامعات على مفترق طرق بين المصلحة الوطنية والأهداف العالمية، فبينما تلعب دوراً في بناء الأمم، فهي تعمل أيضاً على تشجيع البحث عن الحقيقة والذي استفاد تاريخياً من التبادل الحر للأفكار وحرية الحركة للباحثين والطلاب عبر الحدود وفي عصر تناقص المؤسسات العالمية، تعتبر الجامعة من المؤسسات التي شهدت أخيراً تراجع قوتها وتأثيرها، وهناك خطر الآن على التدفق المفتوح للأفكار، فهل يمكن تغيير ذلك؟

لقد برز دور الجامعات على الساحة في القرن التاسع عشر، وذلك عن طريق جعل نفسها مفيدة للدول، حيث قامت بتدريب موظفي القطاع العام وتحسين التقنية من خلال الأبحاث الأساسية، وفي وقت لاحق أصبحت الجامعات منتدى للتعاون العالمي ووجدت أساليب لعمل توازن بين التزاماتها للبلد الأم ومسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي، ولكن المخاوف من صعود الصين والشكوك المتعلقة بالتجسس جعلت الموازين تنقلب لمصلحة الأولويات الوطنية في السنوات الأخيرة.

لقد أصدر الرئيس دونالد ترامب سنة 2020 أمراً يمنع بموجبه طلبة الجامعات والباحثين الصينيين من الالتحاق بعدد من المجالات العلمية، ولقد أبقت إدارة الرئيس جو بايدن على هذا الحظر، وفي وقت سابق من هذا العام اقترح عضو مجلس الشيوخ توم كوتون من اركنساس حظر التمويل من الكيانات الصينية للجامعات الأمريكية وإنهاء برنامج التأشيرات لمدة عشر سنوات ومتعددة الدخول للمواطنين الصينيين.

إن القوميين الأمريكيين مثل كوتون نادراً ما يعترفون أن الصينيين يتبعون مساراً رسمه الطلبة الأمريكيون، ففي القرن التاسع عشر سافر حوالي 10 آلاف أمريكي إلى ألمانيا للدراسة في جامعاتها وعندما عادوا أسسوا مؤسسات على غرار تلك الموجودة في الخارج. لقد كان تقليد الأمريكان للجامعات الألمانية فعّالاً لدرجة أنه بحلول سنة 1900 أصبح الألمان هم الذين يتدفقون على أمريكا، حيث حضر الألمان المعارض العالمية في شيكاغو وسانت لويس من أجل الاطلاع على التطورات الأمريكية في التعليم العالي مثل التعليم المختلط والرياضيات التطبيقية، كما توسعت الأبحاث والابتكار في العلوم الطبيعية والإنسانية نتيجة لهذا «التقليد التنافسي».

على الرغم من وجود بعض المخاوف الألمانية من أن الطلبة الأمريكيين قد يسرقون أسراراً تجارية، تغلب الفضول الفكري على الحمائية وأصبح العلماء والباحثون من البلدين شركاء بالإضافة إلى كونهم منافسين، ولقد سافر الأساتذة الجامعيون بين نيويورك وبرلين كجزء من برامج تبادل، حيث كانوا يعملون على تبادل الأفكار وتطويرها، ولقد عبّر أحد قادة التعليم البروسي عن إعجابه بهذا التعلم المتبادل، والذي «يمثل التقدم في اتجاه الوحدة الفكرية للجنس البشري».

الحربان العالميتان أدتا إلى تقويض التعاون الأكاديمي، حيث تم جر الجامعة باتجاه الدولة، كما قام أساتذة الجامعة بالترويج لأنفسهم على أنهم خبراء يمكنهم إحراز تقدم بالأهداف الوطنية وانقلب الأساتذة الأمريكيون على زملائهم الألمان ومن رفض منهم عمل ذلك تم فصله.

بعد الحرب العالمية الثانية، تطلب الأمر جهوداً عدة لإحياء القيم المعطلة للتبادل العلمي والشفافية عبر المحيط الأطلسي، وحتى البرامج الدولية لحقبة الحرب الباردة مثل جامعة برلين الحرة الممولة من مؤسسة فورد وبرنامج فولبرايت وخدمة التبادل الأكاديمي الألمانية كانت تعبّر عن «القوة الناعمة» أكثر من كونها شراكات علمية حقيقية.

في السنوات الأخيرة، أعادت الجامعات العمل بالتعاون على غرار ما كان يحصل بالقرن التاسع عشر من أجل التصدي لمشكلات القرن الحادي والعشرين. إن التعاون بين جامعة كاليفورنيا والمؤسسات الألمانية بتمويل من مؤسسة غير ربحية تدعى «ريسورسز فور ذا فيوتشر» يحرّك الابتكار فيما يتعلق بالسياسة المناخية.

لكن يتم جر الجامعات الأمريكية حالياً في اتجاهات متباينة، ورغم أن غالبية تمويل الأبحاث فيها تأتي من الحكومة الفيدرالية، فإنها بشكل عام تدعم تبادل الأفكار على المستوى العالمي وحتى مع منافسي الولايات المتحدة الأمريكية، علماً أنه بهذه الطريقة تتقدم المعرفة، فعوضاً عن منع شركاء الأبحاث المحتملين من الحصول على التأشيرة، يتوجب على الحكومات تشجيع التعاون العلمي العالمي من خلال الدعم المالي وبرامج التبادل. يتوجب على إدارة بايدن أن تغتنم الفرصة للترويج لقيمة العلم كمنفعة عامة.

على مر التاريخ الطويل للاكتشافات العلمية، يعتبر التوجه الأخير نحو النزعة القومية بمثابة انحراف. يتطلب التقدم العلمي والابتكار التكنولوجي التبادل الحر. يجب أن يكون أولئك الذين يرغبون في المشاركة في المشروع العلمي على استعداد لفتح حدودهم لشركاء من أماكن أخرى، بما في ذلك المنافسون المحتملون.

يتساءل الكثيرون ما إذا كان بإمكان الصين أن تصبح قوة علمية كبرى على الرغم من سياستها الرجعية وحرياتها المحدودة ولكن يتوجب علينا أن نسأل سؤالاً مختلفاً: هل يمكن للولايات المتحدة أن تبقى الأفضل بالعالم على الرغم من عزل نفسها عن الصين وبقية المجتمع الدولي؟

يتوجب على الجامعات حتى تبقى حيوية وذات صلة - وتدعم التقدم على المستوى الوطني والعالمي- أن تبقى مفتوحة للعالم، حيث من المفترض أن يدرك الأمريكيون ذلك مثل أي أحد آخر.

 

* أستاذ مساعد للتعليم والتاريخ في جامعة ستانفورد.

Email